الجزائر
ياسمينة خضرا في حوار خاص مع "الشروق":

رفضت الوزارة مرّتيْن.. ولهذا أقالني بوتفليقة من باريس

زهية منصر
  • 5320
  • 1
جعفر سعادة (الشروق)

دافع ياسمينة خضرا عن قناعاته الإبداعية أمام جمهور غفير من قرائه بالمكتبة الوطنية، حيث قال إنه لا يمكن التخلي تماما عن الفرنسية في الجزائر كون 75 من تاريخ الجزائر مكتوب بهذه اللغة، داعيا شباب الجزائر إلى التصالح مع اللغات.

وقد جاء ياسمينة خضرا إلى الجزائر في إطار جولة ترويجية لروايته الأخيرة “الفضلاء” والمنتظر أن تطرح طبعتها الجزائرية منشورات القصبة في 24 أوت المقبل. المناسبة كانت فرصة للقاء به في هذا الحوار والذي عاد من خلاله إلى جملة من القضايا المتعلقة باللغة وعلاقته بالكتابة والقراء.

في روايتك الأخيرة “الفضلاء” اخترت العودة إلى بشار والقنادسة إلى المنبع والأصل لماذا؟

في هذا الكتاب عدت إلى الجزائر وهذا شيء طبيعي جدا لأني جزائري، فقد كتبت كثيرا عن الجزائر، فإذا كان عندي كتاب واحد عن كوبا وكتاب واحد عن أفغانستان، وكتاب واحد عن المكسيك. وفي المقابل عندي 20 كتابا عن الجزائر.

وكما يقال إن العودة للأصل فضيلة فقد اخترت من خلال هذه الرواية التركيز عن فترة تمتد من العشرينات إلى الخمسينات من القرن الماضي، وهي فترة غير مطروقة كثيرا في الأدب الجزائري فقد نمر عليها مرور الكرام لكنها مهمة جدا لأنه خلال هذه الفترة تشكل الوعي الوطني، وخلالها تشكلت معالم الشخصية الجزائرية.

اخترت في هذه الرواية شخصية تجسد كل المراحل التاريخية والأحداث التي عرفتها الجزائر خلال هذه الفترة الحرب العالمية، الخوف، الجوع، التشرد، الحياة الصعبة وهي أشياء ربما لا يعرفها الجيل الجديد لا يعرف رموزه التاريخية ولا الأحداث التي عاشها هذا البلد وهذه كارثة.

في هذه الرواية اخترت الصحراء كفضاء للحكي.. هل تعتقد أنها منطقة مظلومة إبداعيا؟

طبعا مظلومة، ربما ما زلنا نعتبر ناس الصحراء “انديجان” بدليل أن اليوم أكبر أديب جزائري حاليا في العالم جاء من الصحراء لكن الناس هنا لا تعطيه قيمة.

لماذا برأيك؟

الجهل، ومركب النقص، عندما يصل الجزائري عندنا إلى قمة النجاح يصبح مطاردا ومطالبا بتبرير نجاحه فأنا أقول عادة “الجزائر الأليمة تمجّد اللئيم وتقزّم العظيم”.

قلت سابقا إنك كنت تحب الشعر وتطمح لتكون متنبي الجزائر، لكنك لم تجد التشجيع من أستاذك.. هل كان هذا سببا في دفعك للكتابة بالفرنسية؟

طبعا، كان عندي حلم كبير لأكون أكبر شاعر عربي مثل المتنبي لكني لم أجد التشجيع من طرف أستاذي للغة العربية بالعكس كان يقمعني ويقزم ويقلل من قيمة ما أكتبه. وكان يقارن ما أكتبه وأنا ابن 12 سنة بما يكتبه أحمد شوقي. وعلى العكس كان أستاذي للغة الفرنسية يشجعني رغم أنني كنت ضعيفا في اللغة الفرنسية. لم أكن أتحصل على المعدل في هذه اللغة وكانت أفضل علاماتي فيها تراوح بين 6 و8 من عشرين رغم ذلك كان أستاذي يشجعني ويدعوني إلى تحرير خيالي وقدراتي فكنت أجتهد رغبة مني لأكون عند حسن ظني هذا الأستاذ. واليوم أنا مرتاح في اللغة الفرنسية لا يمكن أن أكون لئيما. فهذه اللغة جعلت من الجندي الذي كنت صديقا لملايين القراء عبر العالم.

هل تشعر أنك مظلوم في الجزائر؟

لا، لست مظلوما، لكن لا يوجد تواصل بيني وبين الكتاب الجزائريين لأني ربما كبير عليهم “بزاف” وبعيد “عليهم بزاف” وعوض أن يلحقوا بي اختاروا مقاطعتي. لكني مقتنع أن الجزائر حان لها أن تستعيد مكانتها عبر ثقافتها وتراثها والكتاب هم واجهة هذا البلد.

ياسمينة خضرا مترجم في أكثر من 55 بلدا في العالم، هل لماضيك العسكري علاقة بهذا الانتشار؟

لا أعتقد أن ثمة علاقة بين كوني كاتبا وبين مساري العسكري سابقا، لأن مهمتي ككاتب تختلف عن مهمتي كجندي سابق. ومن يروّج هذا الكلام عليه أن يقدم ما عنده إذا كان ثمة شيء يشوب مساري العسكري سابقا عليهم بتقديمه للجمهور. على العكس كنت في السابق بطلا للشعب في مجالي وأنا اليوم بطل أدبي. لكن في بعض الأحيان “الله غالب” لا يمكنك أن تفرض على الناس الفرح والسرور والسعادة والرغبة في التغني بالمجد والنجاح وهذا ما أفعله وأعيشه اليوم مع قرائي.

هل تعلمين أن أكبر قرائي في إفريقيا ليسوا في الجزائر ولا المغرب ولا في تونس، لكن في التشاد بحيث لا يوجد تلميذ في المتوسط أو الثانوي أو الجامعة لا يعرف ياسمينة خضرا.

وهل لديك علاقة بقرائك باللغة العربية؟

لا، ليس لي علاقة بالقراء باللغة العربية لأن الصحافة المعربة لم تقدمني للقراء وإذا تحدثوا عني يقدمونني بصورة مشوّهة. القارئ المعرب لا يعرف أن ياسمينة خضرا هو أكبر كاتب له صدى في العالم اليوم أكثر من نجيب محفوظ صاحب نوبل. الصحافة المعربة تتحدث عني كخبيث وعميل و”ولد فرنسا”. أنا أكبر كاتب على قيد الحياة في العالم إنتاجا في جميع الفنون في المسرح والسينما والأوبرا والكوليغرافيا والشريط المرسوم والمسرح الإذاعي وهذا لا يعرفه الجزائريون. رغم ذلك أنا أكثر كاتب مقروء اليوم في الجزائر رغم القطيعة الإعلامية.

لكن حتى الأوساط الفرنسية ليست راضية عنك تماما لماذا؟

أنا ضحية الغلق في فرنسا لأني أدافع عن هويتي كجزائري عربي مسلم أمازيغي. ففي عزّ الهجوم ضد المسلمين في فرنسا تظهر في التلفزيون وتقول أنا عربي مسلم وحاج. هذا الشيء طبعا غير مقبول في فرنسا. أنا هناك أسبح ضد التيار. ورغم ذلك لدي 6 ملايين قارئ في فرنسا. وملايين أخرى عبر العالم أشكل لديهم مصدر السعادة من خلال الكتابة.

كنت على رأس المركز الثقافي الجزائري في باريس، كيف عشت هذه التجربة وفيما أفادتك؟

لما كنت على رأس المركز الجزائري في باريس كان من أنشط المراكز كنا ننظم أربعة نشاطات في الأسبوع وقد نصل إلى 16 نشاطا في الشهر لأن المشهد الجزائري غني ومتنوع ثقافيا وتراثيا وكان علينا أن نقدمه وقد أتاحت لي هذه التجربة التعرف عن كثب على الطاقات الجزائرية من كتاب ومبدعين وصحفيين ومفكرين، لأني قضيت 36 سنة في الجيش ولم أكن أعرف ربما كل مفردات الثقافة الجزائرية فقد أتاحت لي هذه التجربة التعرف عليها والاحتكاك بها عن قرب.

وما هو سبب مغادرتك المركز.. هل فعلا كنت على خلاف مع بوتفليقة؟

قضيت 36 سنة تحت الأوامر وعندما غادرت الجندية لم تعد تربطني غير حريتي وما يمليه علي قلبي وضميري. تعرفين أن ناس الصحراء نزهاء وعفويون. من خلال تجربتي في المركز كنت أخدم وطني وأنا على استعداد لأخدم وطني دائما ولكن ليس الأشخاص. حدثت قطيعة بيني وبين بوتفليقة لأني انتقده في العهدة الثالثة ولم يكن ممكنا أن أزكي العهدة الرابعة فغادرت المركز وأعلنت ترشحي للرئاسة كنوع من الاحتجاج.

يعني لم تكن جادا في إعلان الترشح للرئاسات في 2014، لما انسحبت؟

طبعا، أعرف كيف تسير الأمور في الجزائر، إعلان الترشح كان نوعا من الاحتجاج على ما آلت إليه الأوضاع، كنت أريد أن أدفع بالجزائريين لمناقشة الوضع الذي كان يتجه صوب الجدار.

لو أصبحت رئيسا أو وزيرا للثقافة ماذا كانت ستكون أولوياتك؟

وزير، لا، أبدا، فقد اقترح علي المنصب مرتين في 2018 ورفضته. تعييني في المركز الجزائري في باريس جلب لي الدعايات والإشاعات كوني صرت بيدقا للنظام حينها، فكيف تريدين أن أكون وزيرا للثقافة، والثقافة عندنا موبوءة.

ولو صرت رئيسا؟

لو أصبحت رئيسا، أول شيء كان علي فعله هم إعادة الجزائري للحياة العادية بحيث يصبح مثل باقي الناس، يذهب إلى العمل صباحا مبتسما وإذا أراد أن يحجز للسفر يمكنه فعل ذلك من بيته من دون طوابير لأن إعادة الجزائري للحياة العادية هو بداية لتقبله لأي مشروع مجتمع يقدم له ويتفاعل معه. أما في الحالة والوضع الذي يتواجد فيه الجزائري اليوم لا يمكنه تقبل ولا التفاعل مع أي مشروع مهما كان. ورغم هذه النكسات يبقى الجزائري أكبر مواطن في العالم يحب وطنه، لا أعتقد أن ثمة شعب في العالم يحب بلاده مثل الشعب الجزائري.

هل تؤمن باللقاء بين المثقف والسلطة؟

هو ضرورة لأن المجتمعات الكبيرة لا يمكن الفصل فيها بين القيادة السياسية والذكاء، فالقادة عادة يستعينون بالمفكرين والمثقفين لرسم طريقهم واستراتيجياتهم. وأعداء الأوطان من الامبرياليين يعملون على تدمير البلدان عن طريق الترويج للفصل بين القيادة وبين العقول المفكرة. وبمجرد ما ينخرط مثقف أو مفكر في خدمة وطنة تلصق به تهم العمالة، وقد صارت هذه التهم الجاهزة عندنا تكاد تكون طبيعة ثانية فينا وهذا أمر خطير.

بعد “الفضلاء” ما هي مشاريعك المستقبلية؟

كتابي القادم تقريب جاهز وهي رواية تتحدث عن فرنسا وقد جاءت تحت طلب قرائي هناك، والذين يعتقدون أنه من حقهم أن أكتب لهم رواية بعدما كتبت عن كوبا والمكسيك وأفغانسان وأمريكا وغيرها.

وهل الكتابة عن فرنسا سهلة بالنظر للعلاقة التاريخية بين البلدين.. وهل هي رواية حقيقية؟

لا، هي عمل روائي لا علاقة له بالتاريخ. قصة فيها الكثير من الحساسية والجمال. أفضّل عدم الحديث عن التفاصيل وترك القراء يكتشفونها. أنا لا أكتب الروايات الحقيقية لكن أكتب روايات خيالية بأحداث قد يكون لها سند في الواقع.

كيف يرى ياسمينة خضرا قراءه وكيف يقيّم علاقته بهم خاصة قرائك في الجزائر؟

أنا معجب بقرائي وأدين لهم بالاعتراف، فلولا القراء ما كان ياسمينة خضرا موجودا. وأنا أعمل وأحرص أن يكون كل عمل أقدمه أفضل من الذي سبق وأبذل كل ما بوسعي لأستحقهم. لدي قراء كثر في الجزائر حاليا أنا أكثر كاتب مقروء في الجزائر لكني غير مقدّم بشكل جيد خاصة لقراء اللغة العربية. وكما قلت لك سابقا الصحافة هي السبب عندما تقدمني بشكل مشوّه.

مقالات ذات صلة