الرأي

رسائل روسية وسورية‮ ‬غبية

عبد الرزاق قسوم
  • 3048
  • 0

ماذا دهى القيادة السياسية والعسكرية في‮ ‬روسيا،‮ ‬حتى تلقي‮ ‬بجندِها،‮ ‬وعدَّتها،‮ ‬وعتادها في‮ ‬هذه المغامرة السّورية مجهولة العواقب،‮ ‬خاسِرة المكاسِب،‮ ‬المحفوفة بالمصاعِب والمتاعِب؟

ألَم تتَّعظ روسيا من هزيمتها النَّكراء على أيدي‮ ‬المقاومين الأفغان،‮ ‬والمجاهدين الشيشان،‮ ‬وكلّ‮ ‬ما خسرته في‮ ‬عددٍ‮ ‬من البلدان؟

ألاَ‮ ‬يُدرك القادة الرُّوس عواقب مغامرتهم العسكرية في‮ ‬سوريا،‮ ‬على الصعيدين العسكري‮ ‬والسياسي،‮ ‬وكم ستكلفهم هذه المغامرة من زاد وعتاد،‮ ‬وكساد،‮ ‬وفساد في‮ ‬الأرواح البشرية،‮ ‬والعدّة العسكرية،‮ ‬والذّمة السياسية؟

ما هي‮ ‬الرسائل المشفّرة،‮ ‬التي‮ ‬تحاول القيادة الرّوسية التّلويح بها من خلال إقدامها على قتل شعب ضعيف أثخنته الجراح،‮ ‬وأنهكته الأتراح،‮ ‬وغابت عن ملامح أبنائه كلّ‮ ‬معالم البسمة،‮ ‬وعلامات الأفراح؟

يُجمِع الملاحظون الرّاسخون في‮ ‬علم السياسة والفنون العسكرية،‮ ‬أنّ‮ ‬هذه الحملة العسكرية الرّوسية حامية الوطيس في‮ ‬سوريا،‮ ‬محسومة النتائج لغير صالح روسيا،‮ ‬خطيرة العواقب على جيش روسيا،‮ ‬وقيادته العسكرية،‮ ‬والسياسية،‮ ‬ومنظومته الاقتصادية والاجتماعية‮…‬

وتعال معي‮ ‬يا قارئي‮ ‬العزيز نستبطن‮ “‬معًا‮” ‬ذهنية القيادة الرّوسية،‮ ‬سياسيا وعسكريا،‮ ‬لنستخلص،‮ ‬بكلّ‮ ‬موضوعية وحيادية،‮ ‬محتوى الرسائل التي‮ ‬تحاول هذه القيادة بثّها،‮ ‬عبر الإلقاء بجيشها في‮ ‬أتون الحرب السّورية العفنة،‮ ‬التي‮ ‬كادت أن تأتي‮ ‬على الأخضر واليابس من محيطها،‮ ‬وتوشك أن تلقي‮ ‬بلهيبها إلى كلّ‮ ‬البلدان المجاورة لها‮.‬

إنَّ‮ ‬إخضاع المقدِّمات،‮ ‬والمعطيات التي‮ ‬أفرزتها المواقف الرّوسية،‮ ‬في‮ ‬أدائها السّياسي‮ ‬على الصعيد السّوري،‮ ‬وتعاملها مع أطراف الحرب الدائرة منذ سنين في‮ ‬سوريا،‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يستشفّ‮ ‬ملامح الرسائل التي‮ ‬تحاول روسيا أن تبعث بها إلى الجميع من خلال ما أقدمت عليه من مغامرة طائشة،‮ ‬وهي‮ ‬رسائل تبدو ـ لأوّل وهلة ـ‮ ‬غير ذكيّة،‮ ‬وغير منطقية‮. ‬فلنخضعها للتحليل‮:‬

1‭- ‬تريد روسيا أن تخرج من عزلتها الرّهيبة التي‮ ‬وقعت فيها،‮ ‬منذ سقوط حائط برلين،‮ ‬وتفكك الاتحاد السوفياتي،‮ ‬وما سبق ذلك وما تبعه من جراح ظلت روسيا تلعقها من اشتراكها في‮ ‬أكثر من حرب خارج حدودها‮. ‬لذلك فهي‮ ‬تريد أن تعود للظهور اليوم من خلال استعراض قواتها،‮ ‬وتجربة أسلحتها ضدَّ‮ ‬الشعب السّوري‮ ‬الشقيق،‮ ‬مهيض الجناح،‮ ‬المثخن بالجراح‮.‬

2‭- ‬الهرولة إلى نجدة النظام السّوري،‮ ‬الآيل إلى السّقوط تحت ضربات المعارضة،‮ ‬بعد أن فشلت كلّ‮ ‬محاولات الإنقاذ السياسية والدبلوماسية،‮ ‬التي‮ ‬تحطمت ـ كلّها ـ على صخرة المقاومة السّورية القويّة بحقها،‮ ‬وإيمانها،‮ ‬واستبسالها‮. ‬ودع هناك أسطورة محاربة الإرهاب،‮ ‬فما هي‮ ‬إلا سراب،‮ ‬ودع هناك مهاجمة تنظيم‮ “‬الدولة الإسلامية‮”‬،‮ ‬فما هي‮ ‬إلا تقيّة ذرائعية لإخفاء النوايا الحقيقية‮.‬

3‭- ‬العمل على تجسيد حلف‮ ‬غير شريف،‮ ‬يجمع بين المتناقضين،‮ ‬أي‮ ‬جمهورية روسيا الإلحادية والجمهورية الإيرانية الإسلامية،‮ ‬تحت مظلّة ما بقي‮ ‬من الجمهورية العربية السّورية لإيصال السلاح والعتاد إلى المساندين للنظام السوري‮ ‬الهش،‮ ‬كمتطوعي‮ ‬حزب الله،‮ ‬وغيرهم‮.‬

4‭- ‬استغلال الوقت بدل الضائع الذي‮ ‬تعيشه الأمّة العربية،‮ ‬بعد أن فجرّت كلّ‮ ‬طاقاتها الذاتية،‮ ‬وقضت على كلّ‮ ‬عوامل حياتها الداخلية،‮ ‬فيئِس أعداؤها من كلّ‮ ‬بادرة تصدر منها،‮ ‬ما دامت مشغولة بتدبير تدمير أبنائها،‮ ‬تحت عناوين شتّى،‮ ‬في‮ ‬اليمن،‮ ‬والعراق،‮ ‬وسوريا،‮ ‬ومصر،‮ ‬وليبيا‮.‬

5‭- ‬التمكين للعدو الصهيوني‮ ‬ـ بالتنسيق معه ـ للاستفراد بفلسطين والقدس الشريف،‮ ‬في‮ ‬غفلةٍ‮ ‬من العرب والمسلمين،‮ ‬المنشغلين بقتل بعضهم بعضًا،‮ ‬فتدحرجت بذلك قضية فلسطين،‮ ‬في‮ ‬أولويات العرب والمسلمين إلى آخر التصنيف على سلم الأولويات‮.‬

6‭- ‬الاستفادة من ضعف القيادة الأمريكية،‮ ‬والحلف الأطلسي،‮ ‬والاتحاد الأوروبي‮ ‬عموما،‮ ‬الذي‮ ‬يطبق سياسة النعامة،‮ ‬كلما تعلق الأمر بقتل الفلسطينيين،‮ ‬والعرب والمسلمين في‮ ‬كل جزء من أجزاء العالم‮.‬

‭‬ألاَ‮ ‬يدرك القادة الرُّوس عواقب مغامرتهم العسكرية في‮ ‬سوريا،‮ ‬على الصعيدين العسكري‮ ‬والسياسي،‮ ‬وكم ستكلفهم هذه المغامرة من زاد وعتاد،‮ ‬وكساد،‮ ‬وفساد في‮ ‬الأرواح البشرية،‮ ‬والعدّة العسكرية،‮ ‬والذّمة السياسية؟

إنّ‮ ‬الظاهر من هذه الرسائل ـ وما خفي‮ ‬أكثر ـ كلّها تنمّ‮ ‬عن‮ ‬غباء في‮ ‬تقليب أمور السياسة،‮ ‬والاستخفاف بإرادة الشعوب،‮ ‬وكأنَّ‮ ‬ما وقع من قبل في‮ ‬أفغانستان،‮ ‬وأذربيجان،‮ ‬والشيشان،‮ ‬وغيرها،‮ ‬محته مياه البحار والمحيطات،‮ ‬ونسخته المجاملات والابتسامات،‮ ‬فلم‮ ‬يعد له وقع في‮ ‬ميزان القادة السوفيات خصوصاً‮ ‬والغربيين عموماً‮.‬

والسؤال‮: ‬أين هو سلاح النفط العربي،‮ ‬ومفعول المال العربي،‮ ‬ومعاهدات التضامن العربي؟ بل أين هي‮ ‬الجيوش العربية مما‮ ‬يحدث اليوم لسوريا على‮ ‬يد القوة الروسية،‮ ‬وما‮ ‬يحدث لفلسطين،‮ ‬والقدس الشريف،‮ ‬على‮ ‬يد الصهيونية الماكرة الغادرة؟

إنّنا لا نلوم الرّوس على ما أقدموا،‮ ‬ويقدمون عليه،‮ ‬بالرغم من إدراكنا لهزيمتهم المادية والمعنوية المحققة،‮ ‬ولكنّنا نلوم أنفسنا،‮ ‬فقوّة أعدائنا من ضعف أشقائنا‮. ‬وما‮ ‬يمكن أن ننتهِي‮ ‬إليه من استعراض الأحداث الدّموية المؤلمة،‮ ‬التي‮ ‬تجسَّد على مسرح الوطن العربي‮ ‬والأمّة الإسلامية،‮ ‬إنْ‮ ‬هو إلا تأكيدٌ‮ ‬لمرحلة الجزر التي‮ ‬تمرُّ‮ ‬بها أمّتنا،‮ ‬وأعوذ بالله من السَّلب بعد العطاء‮.‬

أمّتنا لا‮ ‬ينقصها المال،‮ ‬فهي‮ ‬من أغنى البقاع مالا،‮ ‬وطاقة،‮ ‬واستراتيجية،‮ ‬ولا‮ ‬ينقص أمّتنا الرجال،‮ ‬فأمتنا ودودٌ،‮ ‬ولودٌ،‮ ‬ولعلّ‮ ‬مشكلتها هي‮ ‬هذه الديموغرافيا القافزة التي‮ ‬تسير على‮ ‬غير هدى‮.. ‬بل إنّ‮ ‬طاقة الشباب في‮ ‬أمّتنا ـ على عكس باقي‮ ‬الشعوب ـ هي‮ ‬الطاقة الغالية،‮ ‬ولكن سوء التكفل بالشباب،‮ ‬والسّفاهة في‮ ‬تسيير الأموال،‮ ‬والعبثية بالطاقة البترولية،‮ ‬والاستراتيجية،‮ ‬هو الذي‮ ‬أضعفنا وقللنا في‮ ‬أعين الأعداء،‮ ‬فاستخفوا بنا،‮ ‬فاستباحوا أرضنا،‮ ‬ودنسوا عرضنا،‮ ‬وعطلوا فرضنا‮.‬

في‮ ‬ضوء هذا الواقع العربي‮ ‬الإسلامي‮ ‬المرير،‮ ‬يجب أن تقرأ رسائل الغزو الرّوسي‮ ‬لسوريا،‮ ‬وهو‮ ‬غزو‮ ‬ينمّ‮ ‬عن رسائل‮ ‬غبية،‮ ‬ولكن‮ ‬يصبح الغباء ذكاءً‮ ‬عندما‮ ‬يفقد الذكاء موقعه،‮ ‬وموضعه،‮ ‬وذلك ما هو حاصل اليوم في‮ ‬وطني‮ ‬العربي‮ ‬الأكبر،‮ ‬الذي‮ ‬قزمه بنوه،‮ ‬فحولوه إلى وطن أصغر،‮ ‬ولله عاقبة الأمور‮.‬

مقالات ذات صلة