الرأي

رحم‭ ‬الله‭ ‬الشهداء‭!‬

قادة بن عمار
  • 6491
  • 9

قبل فترة، قدّمت السينما المصرية فيلما يروي قصة مواطن يكتشف فجأة أنه يمتلك حصة من المال العام، فيقرر مقاضاة الدولة لاسترجاع حقه المهضوم من أجل حلّ مشاكله البسيطة والعسيرة في الآن ذاته، على غرار تأخر سن الزواج والبطالة وعدم التوفر على سكن، فترضخ الحكومة وسط ضغوط‭ ‬دولية‭ ‬وتوافق‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬مزاد‭ ‬علني‭ ‬لتوزيع‭ ‬حصة‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬الملكية‭ ‬العمومية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬ببطل‭ ‬الفيلم،‭ ‬لاكتشاف‭ ‬أن‭ ‬الوطن‭ ‬لا‭ ‬يباع‭ ‬ولا‭ ‬يشترى‭!‬

المشكلة التي يدركها الجميع ولا يريد البعض أن يعترف بها، أن الوطن باعوه حقا، ولم نحصل كمواطنين على جميع حقوقنا من تلك الصفقة، بل لازلنا في الجزائر، نعيش على أمجاد الماضي، وحب الوطن “من الإيمان”، وتقديس الثورة لكننا في الوقت ذاته، نرفض كتابة تاريخها ونطعن الشهداء‭ ‬في‭ ‬الظهر‭ ‬حين‭ ‬نقدم‭ ‬لهم‭ ‬وطنا‭ ‬منقوص‭ ‬الشرعية‭ ‬والسيادة‭ ‬على‭ ‬قراره،‭ ‬ومسلوب‭ ‬معظم‭ ‬ساكنيه‭ ‬من‭ ‬المواطنة‭ ‬الحقيقية‭!‬

حين كتبنا قبل أيام، فقلنا أننا تعبنا من الأعياد الوطنية، علّق بعضهم متسائلا ومتهما: ولكن ما هذا الجحود للوطن؟ ألم يكن من الأفضل تربية النشء على حبّ البلاد؟ وكأن حبّ البلاد يستوجب موافقة من يحكمها من العباد، فإن خرجت عن القاعدة، صنفوك خائنا وعميلا ومستعدا لبيع‭ ‬وطنك‭ ‬في‭ ‬مزاد‭ ‬علني‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬مسلوب‭ ‬الإرادة؟‭! ‬

متى‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬سلوك‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬العمالة‭ ‬للخارج،‭ ‬ولا‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬مصلحة‭ ‬البلاد‭ ‬العليا،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬توافقت‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬الطبقة‭ ‬السفلى؟‭!‬

إلى‭ ‬جميع‭ ‬الحائرين‭ ‬والمرددين‭ ‬لسؤال‭ ‬أيّهما‭ ‬أسبق‭: ‬البيضة‭ ‬أم‭ ‬الدجاجة؟‭ ‬باعتباره‭ ‬أعقد‭ ‬الاشكاليات‭ ‬الفلسفية‭ ‬والطبيعية،‭ ‬نقول،‭ ‬أخطأتم،‭ ‬فالسؤال‭ ‬الأكثر‭ ‬حيرة،‭ ‬هو‭ ‬أيّهما‭ ‬أولى‭: ‬الوطن‭ ‬أم‭ ‬المواطن؟‭!‬

احتفالنا‭ ‬بخمسين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬استرجاع‭ ‬الحرية،‭ ‬هو‭ ‬حزن‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬والغش‭ ‬والبيروقراطية‭ ‬وانتشار‭ ‬السرقات‭ ‬والجرائم،‭ ‬واغتيال‭ ‬الرموز،‭ ‬ومصادرة‭ ‬الفرح،‭ ‬وكبح‭ ‬الحريات‭ ‬ومنع‭ ‬التداول‭ ‬على‭ ‬السلطة‭!‬

حين‭ ‬يقول‭ ‬مجاهد‭ ‬كبير‭ ‬مثل‭ ‬أحمد‭ ‬مهساس،‭ ‬أن‭ ‬استقلالنا‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬بعد،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬لحظة‭ ‬ونعلق‭ ‬الاحتفالات‭ ‬الضخمة،‭ ‬لأن‭ ‬شاهدا‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬الثورة‭ ‬قال‭: ‬أخطأنا‭ ‬الطريق؟‭!‬

المشكلة ليست مشكلة أشخاص بعينهم، مثلما حاول الوزير السابق أحمد طالب الإبراهيمي، أن يقول على الجزيرة قبل أيام، لكنها مشكلة جيل بأكمله أخطأ الاختيار، واعتز بخطيئته فلم يجد من يصحح له المسار، رغم المحاولة الكبيرة في أكتوبر 88، والتي تم إجهاضها بخديعة من السلطة،‭ ‬صحيح،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬بغباء‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬وقتها‭ ‬وصمتٍ‭ ‬من‭ ‬الشعب‭..‬

اليوم وبمناسبة الخامس جويلية، ابحثوا عن الحراڤة، والزوالية، من يفكرون في الدخول المدرسي المقبل قبل رمضان ومصاريفه، العمال المسرحون والإطارات المغتالة باسم التحقيقات والرسائل المجهولة، الشباب المحبط الباحث عن عمل شريف ومسكن لائق، العائلات التي ترقد تحت الخيم‭ ‬وبين‭ ‬صفائح‭ ‬القصدير،‭ ‬المظلومون‭ ‬والمعذبون‭ ‬على‭ ‬الأرض‭..‬‮ ‬ابحثوا‭ ‬عنهم‭ ‬وقولوا‭ ‬لهم‭: ‬عيد‭ ‬استقلال‭ ‬سعيد،‭ ‬ورحم‭ ‬الله‭ ‬الشهداء‭! ‬

مقالات ذات صلة