رئاسيات “الطبلة والمزمار”!
في غمرة وزحمة كل هؤلاء المترشحين و”المتحرشين” بالرئاسيات، من الداعمين والداعمات، المساندين والمساندات، اللاهثين وراء الحكم واللاهثات، لم أجد أصدق ولا أفضل من أيّ تصريح سياسي تم تداوله في الساحة الإعلامية مؤخرا من ذلك الذي أطلقه المغني خالد الذكر محمد المازوني حين قال أنه مستعد للغناء في الرئاسيات للمرشح الذي يدفع أكثر، أو كما قال “سأغني لمن يكحّ لي”!!
واقع الحال أن المازوني ومثلما نقلته الصحافة الأسبوع الماضي “غاضب جدا” من الأغنية التي أطلقها الفنان لطفي دوبل كانو ضد الوزير الأول عبد المالك سلال، أما الغضب الآخر، فيسجله الجزائريون بسبب اختزال معركة الرئاسيات المقبلة، والسياسة الوطنية برمتها فيما يغنيه دوبل كانو ويرد به المازوني، أكثر مما قد يفعله علي بن فليس أو سفيان جيلالي “داوي حالي“!
حتى أن أحد المغنيين الشباب، قالها صراحة لمقربيه أنه يفضل، بل ويتمنى أن ترسي اختيارات “السلطة” على مرشح يتلاءم اسمه مع “القافية الغنائية” حتى لا يتعب الشعراء كثيرا في البحث عن نصوص، وأفضلهم على الإطلاق علي بن فليس، فمن الممكن جدا، بل من اليسير، استخراج كلمات “ليست كالكلمات” لتأييده ورفع “شانه” بين المواطنين، على غرار.. بن فليس يا رئيس.. الجزائر عروسة وأنت “عريس“.. يا ابن شهيد حار ب الفرنسيس.. أخرج اليوم في “العديان” من هولاند حتى محمد السيس!!
واقع الحال أن المرحلة التي نحن مقبلون عليها في الأيام المقبلة، لن تعرف صوتا أعلى من صوت البندير، ولا حجة أقوى من التطبيل والتزمير، بل إن كثيرا من هذا التزمير كان مقدمة لممارسة شتى فنون التزوير!
الطريقة التي ظهر من خلالها بن فليس معلنا ترشحه، لم تختلف تماما عن تلك التي تعودناها من بقية المرشحين على امتداد التجارب الانتخابية السابقة، حيث انتشى المحامي العائد من صمت استمر عشر سنوات، بترديد عبارات “بن فليس هو الرئيس” وتكلم لأزيد من ساعة ونصف دون أن يحدد معلما مباشرا واحدا لبرنامجه، ماعدا تلك “الديباجة المملة” التي لم تتحرر بعد من شعارات تحقيق العدالة، ورفع التنمية، وبناء الاقتصاد وتقوية المؤسسات…، علما أن الجزائريين باتوا أكثر اقتناعا من أي وقت سابق، أن المشكلة الأساسية تكمن في التفاصيل و“غياب الإرادة وانتصار الخنوع” وليس في الشعارات أو البرامج البراقة!
نخشى أن تبقى الرئاسيات المقبلة فرصة للتبندير والتزمير أكثر من أي شيء آخر، ليكون المستفيد الأول والوحيد من كل هذا الحراك السياسي “الكذّاب” لا يخرج عن اطار “الساحة الفنية المستعدة بمختلف النصوص واللصوص” لمواكبة “هذا التحول الديمقراطي المهم“.. تحوّل نوتاته الموسيقية (دو ري مي).. راح الحرامي.. جاء (الحرايمي)!!