الرأي

ديمقراطية النعاج!

قادة بن عمار
  • 4968
  • 30

حكومة قطر المجيدة التي وصف وزيرها الأول العرب مؤخرا بأنهم مجموعة من النعاج، فأعاد لأذهاننا قصة خالد الذكر الوزير العراقي محمد السعيد الصحاف ووصفه الشهير للأمريكان وجموع المتحالفين معهم بـ”العلوج”، هذه الحكومة التي اعتقدنا فعلا، أنها تحب الخير للجميع، واحترمنا ذكاء قادتها الجدد وطموحهم الصاعد في لعب دور فعال بالمنطقة، كما أثنينا لسنوات على إطلاقهم قناة الجزيرة التي ساهمت في نشر الوعي بالحريات ونقلت المعارضين فعلا من غياهب السجون إلى عالم الأضواء، جعلتنا نكتشف مؤخرا أننا تلقينا كذبة كبيرة، وأضحينا مجموعة من النعاج السمينة التي ربتها الجزيرة في البيوت، ثم قررت ذبحها فجأة أو تسليمها للمسالخ الأمريكية “ديليفري”، أي لحوم مجمدة ومعلبة!

حكومة حمد التي صدّعت رؤوسنا بالديمقراطية وضرورة إنهاء عهد الدكتاتوريات، فكنّا نغمض الأعين “متعمدين” عن غياب الديمقراطية في هذه الإمارة الصغيرة، فلا صحافة حرة ولا برلمان، ولا حتى أحزاب سياسية أو جمعيات مستقلة، بل دكتاتورية لمّعت نفسها بالمال، فاشترت الجميع، شرقا وغربا، وبات الكل يطلب انطلاقا من الدوحة بالمقاومة، غير آبه أنه على بعد أمتار قليلة من أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة، وأضحى الجميع يصدح بالحريات، في بلد لم يقدر على تحمل قصيدة شعر واحدة فرمى بصاحبها في السجن للأبد، كما عُقدت الملتقيات والندوات والمؤتمرات التي تبارك الربيع العربي، في حين تعامل الأمن القطري هناك بقبضة من حديد مع جميع المختلفين والمعارضين، وقصة طرد الشابين الليبي والجزائري في مؤتمر المناخ العالمي لم تحدث أبدا، في أي بلد سابق ماعدا في دوحة الحريات وديمقراطية النعاج!

طبعا الخطأ كله يقع على الشابين الجزائري والليبي، اللذان اعتقدا لوهلة أن الشيخ حمد الذي ساهم في الإطاحة ببن علي، ثم احتضن صهره الفاسد، وبارك خلع مبارك، ثم تحالف مع جماعة الإخوان المسلمين تمهيدا لشراء قناة السويس، وخلع القذافي من أجل وضع اليد على مقدّرات هذا البلد من البترول والغاز، يمكنه أن يرحب مع وزيره الأول بالمعارضة داخل هذه الإمارة الصغيرة الهادئة، لكن هيهات، فقطر خط أحمر، ليس بالنسبة للجزيرة وفقط التي تُغمض عينيها عن كل ما يحدث هناك، ولكن أيضا بالنسبة لجميع المنتفخين بالديمقراطية والمطالبين بالحريات، فلاسفة الربيع العربي وأدعياء التغيير الثوري، فهم متطرفون جدا في بلدانهم، ولكن حين يحصلون على فيزا ويدخلون قطر، يتحولون إلى مهللين ومكبرين بتجربة الشيخ حمد في تربية النعاج السمينة، ثم ذبحها، إن هي تمردت على حكم الرعيان!

لا، بل إن الديمقراطية التي يمارسها القطريون في نادي باريس سان جرمان الفرنسي الذي يملكونه، أكبر بكثير من تلك الموجودة في الإمارة الصغيرة!

ولكلّ من سيشحذ سكينه بعد قراءة هذا المقال، فيخرج مدافعا عن الشيخ حمد باعتباره ليس مبارك أو بن علي أو القذافي أو صالح، نقول بعد التذكير بمصير هؤلاء الذين رمتهم شعوبهم في مزبلة التاريخ، أن الإنسان لا يستعمل فمه للأكل وفقط، ولكن للكلام بحرية، والتعبير عن آرائه بعيدا عن كل وصاية، أليست هذه هي أولى دروس قناة الجزيرة؟ أليست هذه هي الديمقراطية التي تدافع عنها قطر في كل دولة في العالم، ماعدا في إمارتها الصغيرة ولدى جيرانها في السعودية والبحرين؟

مقالات ذات صلة