الرأي

دول الجوار تعطلُ آلة الحرب في شرق المتوسط

ح.م

أخيرا أدرك العالم أن الحل السياسي وحده الكفيل بإنقاذ ليبيا المنقسمة بين أطراف الصراع الداخلي، كما أدرك أن دول الجوار غير متأهبة للدخول في حرب إقليمية تحركها الأطماع في ثروات شرق المتوسط، ولن تنخرط في تحالفات لن تجني من ورائها غير الخراب لقواعد استقرارها السياسي والاقتصادي والأمني.

سبق بيانيْ طرابلس وبرقة تحركٌ مرئيٌّ لقوى الصراع وحاضناتها نحو توسيع محاور الصراع في ليبيا والارتقاء بها إلى شكل تحالفات استراتيجية تقودها أطرافٌ إقليمية لها مخططاتها التوسعية، استعدادا لحرب لوّحت ببوادر اشتعالها في شرق المتوسط، عطّلتها دول الجوار المدركة لأبعاد ونيّات تلك التحالفات الكفيلة بضرب القواعد الثابتة في شمال إفريقيا، ولن تغامر بجيوشها في معارك يكمم الحوارُ السياسي أفواه مدافعها، لو كان الهدف كما يدّعون الدفاع عن وحدة ليبيا واستقرارها.

لغة الحرب السائدة في ليبيا، انقلبت على نحو مفاجئ إلى دعوات رسمية لترسيخ الحوار السياسي بعدما كان الأبعد في حسابات الأطراف الخارجية المتصارعة، فأهدافها في الهيمنة على ثروات شرق المتوسط، لن تتحقق إلا عبر الممر الليبي المفتوح في ظل انقسام سياسي فوق رقعة جغرافية فقدت وحدتها، وتنوَّعت فيها حاضنات القوى المحلية المتنازعة.

طالما عرقلت قوى دولية وإقليمية أي حل سياسي ليبي– ليبي كان بمثابة ضرب لتطلعاتها التي تتجاوز الجغرافية الليبية، وذاك ما دعاها إلى الالتفاف على مقررات مجلس الأمن الدولي بشأن حظر أو بيع السلاح إلى ليبيا.

فشلُ الاتحاد الأوروبي في تنفيذ عملية “إيريني” الملقاة على عاتقها مهمة مراقبة تطبيق مقررات مجلس الأمن التي تشمل حظر الأسلحة والذخيرة والمرْكبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار، لكنها لم تشمل حظر نقل الجيوش أو فرق المرتزقة.

تركيا لم ترضَ بعملية “إيريني” التي تعني باللغة اليونانية “عملية السلام” لأنها تعرقل نشاطها العسكري الداعم لحكومة الوفاق الوطني، وترى بلسان الرئيس الطيب رجب أردوغان أن “الاتحاد الأوروبي لا يملك أي صلاحية لاتخاذ قرار بشأن ليبيا”.

وظهرت “إيريني” وكأنها عملية حصار لتركيا التي ترفض أي دور لدول الاتحاد الأوروبي في ليبيا يعرقل تنفيذ الاتفاقية البحرية والأمنية الموقعة بين أنقرة وحكومة الوفاق الوطني.

صراعٌ أوروبي– تركي يتعاظم في شرق المتوسط، أوروبا التي تشعر بالخطر على مصالحها في ظل الأزمة الليبية، وتركيا الساعية لإزاحة أي عراقيل تعيقها عن تنفيذ اتفاقيتها البحرية مع حكومة طرابلس، الضامنة لممارسة أنشطة التنقيب عن الثروات الطاقوية في شرق المتوسط، في ظل انحسار منافذها البحرية منذ قيام جمهوريتها بعد الحرب العالمية الأولى.

خيارات بحثت عنها أنقرة لفك “الحصار الأوروبي” كما تراه، والمضيِّ قدما في تنفيذ الاتفاقية البحرية عبر المياه الإقليمية الليبية، يتجلى في بسط حكومة الوفاق الوطني نفوذها على مدينة سرت وكامل التراب الليبي بدعم عسكري تركي لا يمتلك المساحات المفتوحة دون تحالف استراتيجي واسع يضمن له قواعد نفوذ في دول الجوار الليبي وبعض دول شرق المتوسط.

التحالفُ التركي الليبي القطري، لم يكتمل كقوة استراتيجية في مواجهة التموقع الدولي والصراعات المتصاعدة على مناطق النفوذ الغنية بثرواتها الاقتصادية، وهو يطمح في تحالف أكثر اتساعا لا يقف عند مالطا المتأهِّبة للانخراط فيه أملا في الالتفاف على “حصار” دول الاتحاد الأوروبي المتمسِّكة باتفاقية لوزان التي تفككت بموجبها الإمبراطورية العثمانية وعزلت تركيا عن شرق المتوسط.

ووقفت مصر متأهِّبة خلف “الخط الأحمر” الذي رسمته في سرت والجفرة، في ظل مجتمع دولي لم يأذن بإشعال حربٍ محتملة في شرق المتوسط، لم تمتلك أطرافها المتصارعة مستلزمات خوضها أو حسمها لو اندلعت، حتى أدركت أن الحل السياسي هو الخيار الوحيد المتاح أمامها، هو خيار دول الجوار: الجزائر وتونس اللتان رفضتا الانخراط في محاور الحرب الخاسرة دون فتح امتدادهما الجغرافي، وتمسكتا برفض أي تدخل خارجي يمزق وحدة التراب الليبي.

مقالات ذات صلة