الرأي

دولة إمـارات أم دولة مؤامــرات؟

كلما قرأتُ أو سمعتُ ما تفعلهُ هذه الدولة، المسمّاة “دولة الإمـارات”، رجعتْ بي الذاكرة إلى منتصف الستينيات، إذ كان بعض أبناء هذه “المشيخات” يزاملوننا في الدراسة في دولة الكويت الشقيقة، لأنَّ النفط لمّا يُكتشف بعدُ في تلك المشيخات، التي كنّا نستغربُ من أسمائها كأم القيوين، ورأس الخيمة، وعجمان، ودبي، والشارقة، وأبوظبي، وكنا نستفسر عن معاني تلك الأسماء التي كانت غريبة عن أسماعنا.

ثم منَّ اللهُ على تلك المنطقة وعلى أهلها فاكتُشف النفط، فدخلت في التاريخ، وعندما زرتُ أبا ظبي في ديسمبر 1976 كان أحدُ معلمي أبناء الشيخ زايد من “العوانة” ولاية جيجل، وكان أحد إطارات شركة النفط من مدينة وهران يسمى الهواري، ولم يكن في أبي ظبي إلا فندقٌ واحد ملائم، فلم أجد أين أقيم، فأعارني سفيرُنا هناك الأخ عيسى مسعودي غرفته التي كان سيتركها بعد قليل لأنَّ السفارة قد بُنيت فانتقل إليها.

كما منّ الله على المنطقة فأخرجها بـ”النفط” من “عهد عاد” ومنّ عليها برجل حكيم، يمثّلُ قيم العروبة ومبادئ الإسلام، أعني الشيخ زايد آل نهيان، الذي أدرك بنظره السديد وعقله الرشيد أن هذه المشيخات يجب أن تتوحّد قبل أن تتبدّد فسعى إلى توحيدها.

وقد سجّل الشيخ زايد اسمَه في التاريخ بمواقفه الإسلامية والعربية والإنسانية النبيلة، وفي مقدِّمتها موقفه الشريف الشجاع من القضية الفلسطينية، رغم إدراكه أنه ليس له من القوة البشرية ما يحفظ به حتى الأمن الداخلي إلى درجة أنني استغربتُ عندما وجدتُ شرطة مطار أبي ظبي من الإخوة الأردنيين.

وأتى اليقينُ الشيخَ زايدًا فانتقل إلى رحمة الله راضيا بما قدّم، تاركا خلفهُ ذِكْرًا طيبا “والذكرُ للإنسان عمرٌ ثانٍ”، ولكن خلف من بعده خلْفٌ لم يرثوا منه إلا “النسب الطيني”، ولم يُشبِهُوهُ إلا في السمّات والسحنات، وتنكّروا لتراث أبيهم ولعلهم ردّدوا عنه في نجواهم: “إن أبانا لفي ضلال مبين”، وراحوا يشاقُّون الله ورسوله ويحادّونهما، و”يؤاخون” الشيطانَ بتبذير ما منّ به اللهُ عليهم ويزرعون الشقاق والفتن بين الإخوة.

سرِّحْ طرْفَكَ من خليج العُربان إلى محيطهم تَرَ الفتن، ووراءها هؤلاء القوم الذين يحرصون على إشعال النيران، وتأجيجها إن خَبَتْ، مستخدمين ما منّ اللهُ به عليهم في شراء ذمَمِ من لا ذمة لهم واستنزال همَمِ من لا همّة لهم، وانظروا اليمن والسودان وليبيا وغيرها ماذا فعلت فيها الإمارات، ثم تطمع أن تزيد.

إن بعض العلماء وضعوا لوجود الدول واستعادتها، إن سقطت، أمرين:

1/ العمق التاريخي، وهذه الدولة لمّا تصل- بعمر الدول- إلى مرحلة الحَبْوِ، فهي كالجنين، وقد يكون “سقْطا” أو “خداجا”.

2/ الانسجام المجتمعي، من لغة ودين وعرق، وهذه الدولة هي الآن كما يقول الشاعر حافظ إبراهيم: “كثوبٍ ضمّ سبعين رقعة مختلفة الألوان”، فقد كان مجتمعُها عربي السمات والسحنات وجولان الضاد في اللهوات فصار العربي فيها كالشاعر المتنبّي في “شِعْبِ بَوان”، محتاجا إلى تُرجمان، وكان مجتمعُها مسلما فأوحى إليها الشيطان بهذا “الدين الإبراهيمي”، وغيره من الأديان.

وأما موقفُها من قضية فلسطين فهو العار والشّنار بعينهما، وإننا لنخشى أن تتصهْيَن إرضاءً لبني صهيون فتتحمَّل عنهم مصاريف بناء الهيكل المزعوم في القدس الشريف.

أما أعجوبةُ الأعاجيب، فهي نسيانُها ما تسمِّيه الجزر الثلاث “طنب الكبرى والصغرى وأبا موسى”، كما نسي حليفُها “أمير المؤمنين به” سبتة ومليلية.

ونقول لهؤلاء القوم: إن الأيتام والثكالى، والأرامل، والشيوخ، المتظلِّمين منكم ستجاب دعوتُهم من السميع العليم، فيصيبكم ببعض ما كسبت أيديكم، والله عزيزٌ ذو انتقام، وستندمون، و”لات ساعة مندم”.

مقالات ذات صلة