الجزائر
جعلت منطقة إفريقيا والشرق الأوسط والمتوسط تتنفس مجددا

دبلوماسية الجزائر الجديدة… أفعال لا أقوال

وليد.ع
  • 6907
  • 0
أرشيف

تمكنت الجزائر في الآونة الأخيرة من لعب دور محوري مهم على الصعيد القاري والدولي في طريق حل الأزمات والنزاعات القائمة بين دول خصوصا تلك التي تتقاسم معها الحدود، فالمتابع للسياسة الخارجية الجزائرية خلال الفترة الأخيرة، يقف عند حقيقة لا يختلف فيها اثنان، حقيقة مفادها أن الدبلوماسية الجزائرية دقت باب عهد جديد، بدأت تتضح معالمه بعد 30 شهرا من تولي الرئيس عبد المجيد تبون مقاليد الحكم.

فالجزائر عادت لتسترجع مكانتها، وتنتقل سياستها الخارجية من رد الفعل إلى الفعل، والسرعة في التنفيذ، وذلك تطبيقا للرؤية الجديدة، التي حملتها تعهدات الرئيس في هذا الشق والقاضية بجعل “نشاط الجزائر الدبلوماسي يرتكز على الدفاع عن مصالح الأمة والمساهمة في استتباب الأمن والاستقرار الإقليميين، وتعزيز الروابط مع إفريقيا والوطن العربي، وتنمية الشراكة والسلم في العالم، وإحياء الدبلوماسية الاقتصادية خدمة للتنمية”، هذا التعهد الذي أكد أن الآلة الدبلوماسية ستسخر لخدمة الداخل والخارج معا.

بانتخاب عبد المجيد تبون، رئيسا للجمهورية الجزائرية، وبعد فترة وجيزة تخللتها أزمة صحية فرملت نشاط العالم، تمكنت الجزائر من أن تعود لترمي بظلال سياستها على إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (مينا) وحوض المتوسط وجعلتها متنفسا جديدا.

فالرئيس تبون كان على دراية تامة بما ينتظره داخليا ودوليا، حيث كانت البلاد بأمس الحاجة الى أفعال أكثر منه الى أقوال، هذا الإدراك للوضع جعل الرئيس تبون لا يضيع وقته ليطلق فورا ورشات مؤسساتية واقتصادية وسياسية سعيا لتغيير ممارسة الحكم وإعادة النظر في نموذج ديمقراطي متعثر، إلى جانب إعطاء روح جديدة لجهاز ديبلوماسي غير فعال.

فلقد تمكن الرئيس تبون المعني دستوريا وحصريا بالسياسة الخارجية والدفاع في وقت قصير للغاية من إعادة الجزائر إلى الساحة الدولية لتستعيد البلاد بذلك مكانتها في المحافل الدولية، وتحجز الجزائر تحت قيادة الرئيس تبون مكانا هاما يجعلها تمسك خيوط اللعبة بإحكام مما يمكنها من البقاء في قلب اللعبة الدولية بتواجدها في جميع الملفات الإقليمية والدولية.
بالفعل، أصبحت الجزائر تتحرك على جميع الجبهاتـ إذ تستعد لتنظيم قمة هامة للبلدان العربية وهي القمة التي جعل الرئيس رهانها كبير على اعتبار أن الرئيس يريدها جامعة وموحدة للصف العربي، لاسيما في هذه الظروف المتسمة باضطرابات كبيرة.

إلى ذلك ومع بروز النظام العالمي الجديد، أصبح الرئيس تبون مرجعا لنظرائه من أجل إعادة بعث حركة عدم الانحياز، فلقد أصبحت الجزائر فاعلا لا يستغنى عنه، ومركز اشعاع بفضل مواقف رئيسها الثابتة والواضحة.

الرئيس تبون الذي يرفض اللعب في المناطق الرمادية، جعل للجزائر كلمة تترجم ثبات مواقف سياستها الخارجية، وقدم رئيسها الدليل على نقلتها النوعية، عندما انقلب على السياسات السابقة تجاه فرنسا وأملى شروطه على ماكرون الذي نقل إعلام بلاده رفض الرئيس تبون الرد على مكالماته الهاتفية، بعد ما بدر منه من إساءة تجاه الجزائر، هذه الأخيرة لم تسكت مثلما كان عليه الحال في الماضي وسحبت سفيرها من باريس واشترط مقابل عودته، الاحترام الكامل للجزائر، ومحو باريس من مخيلتها أن الجزائر كانت مستعمرة فرنسية.

لم تكتف الجزائر الجديدة بـ”تأديب” باريس سياسيا، بل عاقبتها اقتصاديا بإبرام شراكات وتحالفات جديدة، وخير دليل محور الجزائر – أنقرة، في خطوة تؤكد أن الجزائر تغيرت، إلا أن اسبانيا وكأنها لم تستوعب الدرس فباعت موقفها من قضية الصحراء الغربية بالرخيس إلى نظام المخزن، وسولت لها نفسها إخطار الجزائر أنها تنوي تشغيل الأنبوب الناقل للغاز في اتجاه عكسي لتمد المغرب، ولم تكن تتوقع مدريد الغارقة حكومتها اليوم في مشاكل سياسية، أن الجزائر سترد على إخطارها بإعلان النية في فسخ عقودها معها، هذا الرد الذي “فرمل” مناورة اسبانيا وجعلها تراجع حساباتها، بالمقابل مدت الدبلوماسية الجزائرية يدها لإيطاليا، هذا الشريك الاستراتيجي الذي لطالما احترم الجزائر فخص رئيسها باستقبال في روما قلّما حظي به رئيس.

الدبلوماسية الجزائرية تجاه باريس ومدريد وغيرهما، وسعي موسكو لكسب ود الجزائر حليفا استراتيجيا، وتصريحات كاتب الدولة للشؤون الخارجية الأمريكية، وتصريحات بوتين ولافروف وأردوغان مؤخرا كلها تؤكد أن السياسة الخارجية الجزائرية، وهي التي عادت لتحمل الملف الليبي وتمنع أية مناورة به، كما جعلت فرنسا تغادر منطقة الساحل صاغرة ناهيك عن سعيها لصالح القضية الفلسطينية ونصرة شعبها والدفاع عليها، وهي التي ربطت علاقة إستراتيجية مع إيطاليا وأنقرة وقريبا بكين.

مقالات ذات صلة