الرأي

حفل الألعاب المتوسطية.. هامش على الهوامش

زهية منصر
  • 1681
  • 1

انتهت الألعاب المتوسطية وانتهى معها صخب الاحتفالات ورحل الضيوف كل إلى وجهته وآن الأوان للجلوس إلى طاولة تقييم الحدث بإيجابياته وسلبياته وما ينبغي استخلاصه من دروس للاستفادة منها في مناسبات مماثلة.
لا أحد ينكر أن الجزائر كسبت رهان تنظيم الألعاب بجمع 26 بلدا متوسطيا وسمحت لضيوف الجزائر باكتشاف وهران التي عادت إلى الواجهة أو لنقل إلى مكانتها المستحقة كمدينة متوسطية لها تاريخ عريق هو مزيج من الحضارات والثقافات. ولا أحد ينكر أن الحدث جعل الجزائر ووهران خصوصا في الواجهة وجعل الضيوف يكتشفون جمال وغنى التراث الجزائري. ولكن هذا لا يمنع من تسجيل بعض الهوامش الضرورية للعبرة والاستفادة.
الهامش الأول: ارتبط جزء من نجاح الألعاب بسكان وهران الذين مثلوا مدينهم أفضل تمثيل واحتضنوا الحدث وتفاعلوا معه والكثير منهم ساهم تطوّعا في إبرازه. فقد تطوّع المواطن الوهراني للعب دور وزارة السياحة التي كانت الغائب الأكبر عن التظاهرة التي كان يفترض أن تستغل في الترويج للوجهة الجزائرية. فبعض جدران المدينة لم تكن مطلية حتى، وأغلب الأحياء الشعبية بوهران كانت معزولة عن الحدث “لا أعلام ولا لافتات” الحدث كان محصورا في فدق الميريديان والقرية المتوسطية. ولا أجد أي عذر هنا للوزارة المعنية فقد كان لها ما يكفي من الوقت أكثر من سنتين تحضير.
الهامش الثاني: لعل أكبر عائق عانت منه التظاهرة هو الاتصال، حيث سجلت التظاهرة سقطات عدة في هذا الاتجاه، فمنذ وصول الصحفيين إلى وهران وجد أغلبهم نفسه تائها لا توجد هيئة مخوّلة بالتواصل الدائم مع ممثلي وسائل الإعلام الذين لم يتحصلو على شارات الدخول إلى الفضاءات والاعتمادات في وقتها رغم أن الإعلاميين سجلوا في الأرضية الرقمية المخصصة لهذا الغرض من قبل.
تضارب التصريحات بين مختلف جهات المحافظة “حادثة مجيء سولكينغ” فرغم وجود رئيس لمراسيم حفلي الافتتاح والاختتام مكلف بالجانب الفني لكن ثمة شخص آخر صرح على التلفزيون الرسمي بصريح العبارة أن سولكينع منتظر في وهران وتراجع بعدها بساعات عن ذات التصريح ببيان رسمي مما يوضح وجود تخبط وعدم ضبط الإستراتيجية الإعلامية التي يفترض أن تعنى بما تستحق لأنه يتوقف عليها إلى حد بعيد نجاح التظاهرة.
الهامش الثالث: الطريقة التي اعتمدها سليم دادة سواء في التسويق الإعلامي أو إدارة حفلي الافتتاح والاختتام لم تكن موفقة تماما، فاستنادا إلى تصريحاته الإعلامية التي رفع فيها السقف عاليا ووعد بحفل ينسي الناس فيما سبق من حفلات وطنيا ودوليا، شاهد الجمهور عرضا افتتاحيا افتقد إلى سيناريو واضح وترابط في الأفكار وتناسق في اللوحات الفنية إضافة إلى الطول غير المبرر، حيث كان يفترض أن ينتهي العرض بإعلان الرئيس عن الافتتاح الرسمي وإطلاق الألعاب النارية، إذ تبقى الساعة التي تمت إضافتها بالعروض الكوليغرافية والعزف السنفوني غير مبررة. ورغم الانتقادات التي قدمت لدادة على طريقة توزيع النشيد الوطني لكنه أصر على تكراره في حفل الاختتام لأن حسبه “النشيد الوطني غير مقدس”. لا أحد ينكر حرية الفنان في إبداع توزيعات جديدة حتى لو كانت للنشيد الوطني لكن ليس ذاك مقامها حيث تعوّد الجمهور ترديده بذات الطريقة في ملاعب كرة القدم وفي مناسبة رسمية كان يفترض أن نقدم نشيدنا كما هو.
وبعيدا عن الإبهار التقني الذي يبقى صناعة مستوردة دفعنا مقابلها ميزانية لم يعلن عنها مصمم العرض رغم أنه كان يفترض أن يفعل لأنه مال عمومي، أقول بعيدا عن الخيار التقني الذي لا بد لنا فيه تبقى الخيارات الفنية لمصمم العرض قابلة للنقاش إذ لا أحد ينكر تمكنه من إدارة الاركسترا السنفونية وجماليات ما يقدمه لكن يبدو أن المايسترو أخطأ الجمهور والمكان لأن الموسيقى السنفونمية مكانها القاعات والأوبرات وليس ملاعب كرة القدم وربما من فشل السياسة الاتصالية في تحديد الجمهور المستهدف كان وراء هذا الأمر حتى رأينا الجمهور الذي طالب بالزهوانية يصفر على عزف المايسترو العالمية زهية زيواني التي غابت عن مسارح الوطن عشر سنوات كاملة وحفلاتها في الغرب لا يحضرها إلا علية القوم فمن وضعها في ذلك المقام؟.
الهامش الرابع: ولعله تكملة لهامش ثالث سابق ويتعلق بطريقة إدارة الخطة الاتصالية لمصمم الحفل الذي بقي أسبوعا كاملا متكتما على مفردات العرض وفي الأخير بدل أن يركز على العرض ركز على شخصه الكريم هو المخرج هو المصمم هو قائد الأركسترا وهو الذي تكفل بإدخال وتقديم الضيوف إلى الملعب والإشارة لاسمه أيضا في الإشراف عن النشاطات الثقافية التي تكفلت مؤسسات أخرى وسهر عليها أناس عملوا بصدق لإنجاحها، ما ترك انطباعا أن الحفل تحوّل إلى واجهة لحضور سليم دادة وقد كان المقام يقتضي أن تظهر الجزائر في الواجهة وليس الأشخاص.
وعليه يبقى أهم ما يستخلص من تظاهرة الألعاب المتوسطية ضرورة أن نقوم بالتأسيس لعمل احترافي في الاتصال وإدارة التظاهرات الكبرى والتفكير جديا في إطلاق التكوينات في هذا الاتجاه تحسبا لمواعيد مماثلة تحتضنها بلادنا بحول الله، لأن توقف نجاح أي حدث يقوم على مدى ضبط خطة اتصالية وإستراتيجية إعلامية ناجحة وتحديد الأهداف والجمهور المستهدف.

مقالات ذات صلة