جواهر
تم تشييع جنازة المطربة تحت الأمطار بمقبرة بلدية الماين ببرج بوعريريج

حضور شعبي كبير لتشييع “النا شريفة” إلى مثواها الأخير

نادية شريف
  • 12937
  • 29
جعفر سعادة
الفقيدة شريفة

شيعت جنازة المطربة القبائلية بوشملال وردية، المعروفة بأسم شريفة، السبت، بعد صلاة الظهر إلى مثواها اللأخير بمقبرة بلدية الماين الواقعة شمال ولاية برج بوعريريج، تحت أمطار غزيرة وبحضور شعبي كبير، حيث تنقل المئات من الأشخاص من محبّي المطربة من مختلف ولايات الوطن، على غرار ولايات برج بوعريريج وبجاية وتيزي وزو والعاصمة والبويرة.

كما عرفت الجنازة حضور رؤساء بلديات ومنتخبين بالمجالس البلدية والولائية لولاية برج بوعريريج، والولايات المذكورة سابقا ومديري الثقافة لولايتي برج بوعريريج وتيزي وزو، بالاضافة إلى حضور رفيقة دربها المطربة “جيدة” وعدد من فنّاني ومطربي الأغنية القبائلية المعروفين على الساحة الوطنية، أمثال فريد فرادي وعمور عبد النور وبوعلام بوقاسم والوالي بوساعد.

وقد تم وضع جثمان الفقيدة بالمدرسة الابتدائية محمد الشريف مقران، القريبة من مقر سكنها ببلدية الماين، للسماح للجماهير الغفيرة التي تزاحمت بفناء المدرسة بإلقاء النظرة الأخيرة على الفقيدة، قبل نقل جثمانها إلى مقبرة البلدية. هذا وتركت النا الشريفة صاحبة 86 ربيعا خلال مشوارها الفني الذي امتد لأكثر من 75 عاما كاملا، سجلا حافلا بالأغاني القبائلية به أكثر من ألف أغنية من تأليفها وآدائها، منه 860 أغنية محفوظة بالأرشيف الثقافي الوطني، أوصت بتوريثها لأحد الفنانين رافقها في جولاتها الفنية داخل وخارج الوطن، وأعاد الكثير من أغانيها.

لترحل واحدة من أعذب الأصوات النسائية للأغنية القبائلية، بعد معاناتها في صمت بمسكنها الواقع ببلدية الماين، بعيدا عن الأضواء  متأثرة بمرض السكري والضغط الدموي، بعد أن كرست حياتها منذ ربيعها الرابع عشر للفن دون أن تتزوج وتنشئ عائلة.

 

  نا شريفة” من ترديد الأغاني في حقول الزيتون إلى الأولمبيا والموت في دهاليز التهميش

الخوض في السيرة الفنية للفقيدة”نا الشريفة” يجعلنا نقف وقفة إجلال أمام مثال حي للتحدي وشق طريق النجاح والنجومية وسط زخم من العقبات والتقاليد التي كانت مرتبطة أساسا بالمجتمع القبائلي المحافظ، والذي كانت المرأة محورا أساسيا في الإبقاء على صمود هذه التقاليد، “وردية” التي ذاقت الويلات منذ الصغر، والتي بدأت سلسلتها معها باليتم المبكر، حين فقدت والدتها واضطرت للعيش عند أخوالها، صمدت أمام الانتقادات والرفض الذي لقيه فنها من قبل محيطها العائلي، وانساقت وراء فنها الذي اكتشفته في ترديد بعض الأغاني بحقول الزيتون، وكذا إطلاق العنان لحنجرتها وسط النسوة في الأعراس، وهي لم تتعد سن العاشرة، ومع اكتشاف ميولاتها للفن قام خالها بطردها ونفيها من القرية، بعدما رأى في تعاطيها والفن عارا على العائلة.

شدّت الفنانة رحالها نحو العاصمة سنة 1942مرورا بمدينة أقبو، وهناك التقت واحتكت بالفنانة “اللا يمينة” التي أعانتها على شق هذا الطريق الذي تحدت الجميع في سبيله، وبعد سنتين التحقت بالإذاعة الوطنية وشكلت ما عرف بـ”اورار لخالاث” الفرقة التي تكوّنت فيها عدة فنانات لاحقا، ولقيت أغانيها رواجا وشهرة واسعة، بعدما استقت مواضيعها من واقع المجتمع الجزائري المعاش، وكذا واقع المرأة فيه، متخذة من نفسها نموذجا حيا.

كسب قلوب الجمهور واتخذت مكانة في الوسط الفني القبائلي والساحة الجزائرية ككل من خلال إطلالاتها عبر أمواج الإذاعة الثانية، واستطاعت الاحتفاظ بطابعها وميزتها الفنية رغم السنوات، وبالمقابل كانت الفقيدة تمارس نشاطا آخر مثل في آخر المشوار مصدر عيشها عن طريق معاش التقاعد الذي تتلقاه لقاء ذلك.

انتقلت في التسعينات إلى فرنسا، أين تمكنت من الغناء في أهم المحافل الدولية ممثلة الأغنية الجزائرية والصوت النسوي النقي، إلا أن النهاية التي لقيتها الفنانة المذكورة لم تكن في مستوى أدائها الفني.

 

وفاة “نا شريفة” بعد صراع مرير مع المرض المدعم بالتجاهل

رحيل عميدة الفن القبائلي وسط تهميش صارخ بعد سنوات من العطاء

رحلت ليلة الخميس الفارط عميدة الفن القبائلي والعنصر النسوي في الساحة الفنية الجزائرية، “نا شريفة” كما يعرفها الجميع، بعد صراع مرير مع المرض والتهميش الذي طالها من قبل السلطات وكذا رفقاء دربها من الفنانين، الذين تنكروا لها ولخدمتها للفن الذي طلقت في سبيله حياتها الشخصية لتهب نفسها للغناء، بعدما عجزت أمام موهبة سكنتها منذ نعومة أظافرها وانساقت وراءها متحدية الأعراف والتقاليد، لتثري الساحة الفنية بروائع تبقيها خالدة رغم التنكر الذي طالها يعدما خانها الزمن وخارت قواها الصحية.

رحلت “وردية بوشملال” ابنة قرية اين حالة ببلدية الماين في برج بوعرريج عن عمر يناهز الـ88سنة، بعد صراع مع مرض العضال الذي أقعدها الفراش لعدة أشهر كاملة، كما عانت كثيرا بعدما أصيبت بكسور على مستوى الظهر.

وكانت الفقيدة التي وهبت نفسها للفن منذ الصغر، قد غابت عن الساحة الفنية والأضواء في الآونة الأخيرة بسبب المرض وكذا التلاعبات التي كانت تتعرض لها من قبل الانتهازيين فنانين كانوا أو مؤطرين، وكانت “نا شريفة” في كل لقاءاتها الفنية او الصحفية تستنكر الاستغلال اللاانساني الذي تتعرض له من قبل مغنيين التحقوا بالصدفة بعالم الفن وانتزعوا لأنفسهم مكانة في الساحة الفنية ولدى الجمهور الجزائري بتسلق أمجاد فنانين قدامى، حتى بدون استشارتهم او العودة إليهم في هذا الأمر.

وهبت نفسها للفن وانتهى بها المطاف بمنحة “عاملة نظافة”

مع انطفاء شمعة جديدة من شموع الفن الجزائري، يعود الحديث عن الحرمان والتهميش الكبير الذي يطال هذه الفئة بعد سنوات من العطاء، إلا أن الأمر يستمر ولا يتذكر الفنان إلا بعد رحيله للتغني بخصاله ورثاء حالته التي قضى عليها أيامه الأخيرة، ليلقى الأغلبية نفس المصير لدى بلوغهم أرذل العمر، وحاجتهم الماسة ليد تربت على أكتافهم وتنسيهم وحشة وحدتهم.

نا الشريفة” واحدة من هؤلاء الفنانين الذين ذاقوا ويلات التنكر والحرمان وقد تكون أكثرهم لكونها ضحت بحياتها الشخصية، وتخلت على دورها وحقوقها كامرأة كان بإمكانها ان تكون زوجة وأما لأبناء كانوا ليمثلوا سندها في الحياة، لكنها وهبت نفسها خدمة للفن، الذي قاطعت أهلها وتحدث مجتمعها وعاداته وتقاليده التي ترى في الفن خطيئة تمنع ممارستها من الفتيات من المنطقة، غادرت قريتها بعدما قررت دخول عالم الفن، متجهة للعاصمة التي برزت فيها، لكنها عاشت اخر سنوات عمرها على منحة تقاعد كانت تتلقاها لقاء عملها كعاملة نظافة في أحد المستشفيات، بعدما خرجت فارغة اليدين من المجال الذي وهبت نفسها اياه، ليس لشيء سوى لأنها كانت أمية وتجهل حقوقها التي تخلت عنها بدافع الفن.  

مخلوف يجدد دعوته لإنشاء لجنة تهتم بالفنانين الكبار

جدد الفنان الصاعد “مخلوف” استنكاره للصمت والتجاهل الذي تواصل السلطات وعلى رأسها وزارة الثقافة، ممارسته في حق الفنانين الكبار والجيل الذهبي للفن الجزائري الذين رحل اغلبهم في صمت، بعدما عانوا وقضوا أيامهم الأخيرة في الظل وصارعوا المرض على فراش موت عجله إليهم أكثر التهميش والتنكر لصنيعهم وخدمتهم للساحة الفنية والثقافية الجزائرية التي وهبوها أحلى سنين عمرهم وسط النقائص المسجلة حينها، بدل المرض حيث لما خرجوا بها لبر الأمان كان التنكر لهم الرد المثالي للسلطات والأمثلة كثيرة.

ولتفادي هذا المصير الذي أصبح حتميا على فنانينا يقول المتحدث انه يدعو الفنانين لإنشاء لجنة حفلات خاصة، مهمتها تنظيم حفلات دون انتظار مناسبات معينة، تعود عائداتها لإعانة الفنانين إن هم أصيبوا بمرض بدل “تسولهم” العلاج عبر وسائل الإعلام أمام الوزارة التي تصاب بالصم أمام صرخاتهم.

 

قالوا في الفنانة

أكلي يحياتن: الفقيدة من المؤسسات للأغنية القبائلية النسوية

في اتصال مع الفنان الكبير”أكلي يحياتن” وهو في طريقه إلى حضور جنازة “نا شريفة” أكد لـ”الشروق” بأن هذه العميدة للفن القبائلي تعد من إحدى المؤسِسات للأغنية النسوية القبائلية، وأنه رافقها في العديد من المحطات الفنية، التي اكتشف خلالها أخلاقها ونبلها ودفاعها المستميت عن المرأة والهوية الأمازيغية، وتبقى فخرا لكل نساء الجزائر، وهي  بين القلة والأوائل اللواتي كسرن طابو الغناء النسوي بالمنطقة، في الوقت أنه من العيب لرجل أن يغني، فما بالك بالمرأة، إلا أنها رفعت التحدي وأكملت المشوار بكل عزم،  “الله يرحمها وجعل مثواها الجنة” يختم دا أكلي كلامه معنا.

الفنان بوبكر خراز حب شريفة رضعته في حليب أمي

كشف الفنان المحلي بوبكر خراز، في اتصال بالشروق من مسقط رأس الفنانة والفقيدة شريفة، أنه لا يمكن أن يفوت فرصة مرافقة هذه الأيقونة إلى مثواها الاخير، موضحا خلال الاتصال انه استكملت صلاة الجنازة على الفقيدة ودلك في حدود الواحدة والربع زوالا  قبل ان يشرع في نقلها الى المقبرة وسط زغاريد وبكاء احبائها الذين تهافتوا عليها من كل حدب وصوب، مضيفا انه سبق له في العديد من المرات ان التقى بالفنانة، وحضر حفلاتها التي أحبّها البعيد قبل القريب، مشيرا إلى ان حب هذه القامة المتميزة رضعه من حليب والدته التي تعشق شريفة واغانيها.

الفنان شريف اشويق ابن الفنانة بالتبنّي: أصيب باليتم

ارتبط اسم الفنانة شريفة، خلال السنوات الاخيرة بالفنان شريف الذي تبنته فنياو وحفظ ازيد من 300 اغنية من روائع الفنانة شريفة، حيث رافقها في حلها وترحالها في مختلف المهرجانات والمناسبات، واضحى عضوا من فرقة ـ تارباعث لخالاث ـ حيث اوضح هذا الاخير في اتصال بالشروق لحظة مباشرة مراسيم الدفن بصوت تخنقه الدموع الحارة، ان سكان منطقة القبائل جميعا اصيبوا باليتم وليس العائلة الفنية فقط، والدليل الامطار الغزيرة المتساقطة على مستوى مسقط رأسها، والحزن الكبير الذي خيم على الاجواء، مضيفا ان نغمة اشويقن التي اشتهرت الفنانة شريفة بتقديمها بطريقة روحانية ووجدانية كبيرة تقشعر منها الابدان، اضحت اليوم يتيمة ومن دون ولي.

 

مقالات ذات صلة