الشروق العربي

حرب الأسماء بين الأمس واليوم.. أين اختفت الياقوت وتماني ونرجس

فاروق كداش
  • 1015
  • 0
بريشة: فاتح بارة

كأي موضة عابرة، تعيش بعض الأسماء فترتها وترحل في صمت، آخذة معها قطعة من الزمن، وتبقى ذكراها في دفاتر العائلات، تنادي على أصحابها بين الفينة والفينة.. بين البارح واليوم، العالم تغير، وناس تغيرت ومعهم أسماؤهم وشخصياتهم. الشروق العربي، تبحث في ظاهرة تغير أسماء الجزائريين، وكيف اختفت أسماء واندثرت، وظهرت أسماء وتمسكت إلى حين تظهر أسماء قد تحيي القديم أو تميت الجديد.

الدارس للأسماء في الخمسين سنة الماضية، سيجد أن قائمة الأسماء الأكثر تداولا في السبعينيات، لا تشبه في أي اسم قائمة الألفين. فبحسب بيانات الحالة المدنية، فإنه إلى غاية الثمانينيات، كانت الأسماء المحببة عند الذكور، هي رشيد وعبد القادر ومراد وسعيد وكمال وإبراهيم، بينما في الألفين، أنس، إسحاق، إياد، آدم.. ليبقى محمد الاسم الذي لم يغب عن الجزائريين منذ الأزل.

في ما يخص البنات، فالأسماء الأكثر شيوعا في السبعينيات والثمانينيات، هي فتيحة وفطيمة وخيرة ومليكة وجميلة وسميرة.. بينما صارت إكرام وشيماء وريتاج ومروة وهديل وسدرة وميرال، هي الأسماء الوردية الأكثر تداولا.

المقارنة بين الأسماء، لا تحتاج تحليلا معمقا، فالتفسير واضح، من خلال التأثيرات التي تجتاح المجتمع الجزائري، بين فترة وأخرى.. ففي السبعينيات، كانت الأسماء القديمة، ذات الهيبة، لا تزال محببة. أما في السنوات الأخيرة، فاجتاحت الأسر حمى المسلسلات التركية والسورية، فصاروا يقلدون ويتحججون بجمالية الأسماء، وبأنهم بحثوا في “عمّهم غوغل” عن المعنى فوجدوه معبرا.

في أزمنة أبعد بكثير، الأسماء كان لها رمزية كبيرة.. فهي تعبر عن الرجولة والشخصية القوية. أسماء لها رنين مهيب، مثل بومدين والصالح ومختار ومصطفى وعلي وبلقاسم وبوعلام وبوجمعة والجمعي، بوتليليس، ضيف الله، بوشويشة، بوحريز، معاشو، التركي، رابح، بورحلة، الزايدي، فرحات، خليفة، الخميسي، شعبان، رمضان، حمو، الأخضر، علاوة، سحنون، الصخري، النوري، السعدي، والقائمة طويلة..

قائمة النساء، ما أجملها من أسماء قديمة عتيقة، تذكرنا بالجدات يتسامرن حول سني القهوة المزدانة، يتحدثن عن لالة زهور ودوجة ونرجس وخوخة وتماني وفطومة وعويشة ويامنة والياقوت وباية والبتول وخداوج وريدة وعواوش وبهية وقوسم..

إن تعمقت في داخل الوطن، تفاجئك الأسماء الرائعة، مثل تركية وساسية ومسيكة وشافية ورملية وخروفة وملوكة وأم الخير وعرجونة والمايسة وذهبية وفضة والعمرية والمازية وخضرة وبدرة والواضحة، وغيرها من الأسماء المميزة، التي كانت همزة وصل بين واقعين وحقبتين.

بعض الأسماء، تبدو الآن غريبة، لكنها في زمانها كانت رمزا من رموز الأنوثة، مثل زيدومة برق اللاح صرهودة شابحة تبرة النخلة الربح الحمرة.

في أيام الزمن الجميل، كانت الأسماء تختار بشكل عفوي، ويمكن أن يتكرر أي اسم في نفس العائلة، شرط أن يضاف إليه وصف الكبير أو الصغير، مثل بختة الكبيرة وبختة الصغيرة.

الأسماء القبائلية، لا تزال محفوظة في الذاكرة، تحفظها البنت البكر، التي قد تسمى باسم جدتها، كتاسعديت ولويزة وفروجة وعلجية وظريفة ومليكة وطاوس، وغيرها.. ولكن، أحيانا، مد الأسماء الجديدة جارف، لا يترك الأخضر ولا اليابس، مثل ماتيا وميرا وتاليس وتانيري.

إن الباحث في العلاقة بين الاسم والمسمى في الجزائر يجدها جزافية، اعتباطية، لا توجد أي علاقة طبيعية بينهما في الواقع. فعندما يولد المولود، نختار له اسما من الأسماء، لنشير إلى أنه “زيد” وليس “عمْرا”، بمعنى أنه لا يوجد أي اتحاد أو رباط يوحد بين الاسم وحامل هذا الاسم.. وعليه، فإنه لا وجود لأي قرينة تجمع بين الدال والمدلول.

مقالات ذات صلة