الرأي

حتى لا يموتوا… مرتين!

قادة بن عمار
  • 752
  • 0

مخجل جدا أن يتورط “إرهابيون” جزائريون في محاولة اغتيال وزير الداخلية التونسي، لكن مخجل أكثر.. استقالة النظام عندنا عن معالجة هذه القضية التي تتصاعد يوما بعد آخر، وتتعلق بانخراط شباب جزائريين في عمليات إرهابية، ليس في تونس وحدها وإنما في عدة بلدان أخرى، وكأن الأمر لا يعنيه، ولا يهمه!!

قد يقول البعض: ماذا بوسع السلطة أن تفعل؟ هل يمكنها أن تقتلع فكرة “الجهاد” من رأس شاب عشريني أو ثلاثيني، اختمرت حتى تحولت إلى حقيقة لا غنى عنها، ولا يمكن التنازل عن واقعيتها مهما تزايدت الفتاوى وتعددت الآراء وتباينت الاجتهادات الفقهية والسياسية!!

لكن هذا المبرر، وإن كان صحيحا، لا يبرئ النظام تماما، فهذا الأخير لايزال يتعامل مع الأمر على أنه “أمني بحت” فيكثف من التعاون مع تونس وليبيا، يسيّج الحدود بالمزيد من الجنود، ويعسكر الديمقراطية داخليا بإلباسها رداء الأمن والاستقرار، مبينا أن التغيير أو حتى مجرد التفكير فيه، سيحوّل الجزائر إلى قطعة أخرى من قطع النار التي أنتجها الربيع العربي، بيد أن الواقع، عكس ذلك تماما، فهؤلاء الشباب الذين توجهوا إلى تونس وسوريا، وغيرها من بؤر التوتر، مازالوا في أعمار صغيرة، تجعل من فكرة احتوائهم أمرا ممكنا، كما أن غيرهم من الذين يطاردهم هاجس ما يتعرض له السوريون من دمار وخراب، يجب الوصول إليهم قبل اختطافهم من جيوب التطرف، لإقناعهم بفكرة واحدة، أن السوريين لا يحتاجون مجاهدين، ولا أموالا، بل هم بحاجة لإرادة سياسية من الداخل والخارج، حتى يتخلصوا من هذا الهمّ الذي يؤرقهم منذ ثلاث سنوات وأكثر!

التقصير الآن في معالجة أزمة الشباب المسافرين بنية “الجهاد” في تونس، ليبيا وسوريا وغيرها من البلدان، سيجعل من الجزائر مستقبلا، مهددة بمخاطر شتى، أبرزها، الدخول في مواجهة حتمية مع هؤلاء، حين يعودون بأفكار “متطرفة”، معظمها “انتقامية” تتغذى من “جبروت النظام”، وضعفه السياسي والأمني، ونقص أخلاقياته، علما أن كل هذه المبررات تعد واقعية جدا، بل اتسعت في السنوات الماضية، بشكل بات مقلقا!

منظر الأمهات اللواتي صُدمن مؤخرا برؤوس أبنائهن تتطاير في سوريا، هو منظر مؤسف ويدمي القلب، تماما مثل الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن في الطرف الآخر.. هكذا هي الحروب، يخطط لها المتآمرون، ينفذها السياسيون الجهلة، ويدفع ثمنها الأبرياء والبسطاء!

لكن على عاتق السلطة مسؤولية أخلاقية كبيرة في منع توجه مزيد من الشباب نحو بلدان الفوضى.. فما عشناه في الجزائر يعد كافيا لوقف البحث عن مشاكل جديدة، كما أن الدم الذي سال أنهارا على امتداد سنوات طويلة في بلادنا، ما يزال “ساخنا” لم نتوصل بسببه حتى الآن إلى طريقة مجدية لإقناع الناس جميعا بضرورة التعامل مع الأمر “كماضِ يصلح للنسيان” ولو بالتواطؤ على الذاكرة وخيانتها.. أنقذوا هؤلاء الشباب حتى لا يموتوا مرتين.. الأولى بسبب الإحباط في الداخل.. والثانية في سبيل “جهاد” لم تتفق الأمة على “صوابه”!

مقالات ذات صلة