الرأي

حاكموهم قبل أن يعودوا!

قادة بن عمار
  • 3249
  • 0

الطريقة التي يتم التعامل بها مع الفتنة المتصاعدة في غرداية هذه الأيام لا تختلف تماما عن الطريقة التي انتهجتها السلطة طيلة السنوات السابقة، بالرغم من أن حصيلة الضحايا هذه المرة، أكبر بكثير مما كان يتوقع الجميع!!

نزول الوزير الأول رفقة عدد كبير من المسؤولين، وإطلاقه تصريحات “حازمة شكلا” كقول سلال: “أنه لا تسامح هذه المرة مع المخرّبين” (وكأنه تم التسامح معهم في مرات سابقة !!) ناهيك عن تخبّط الرئاسة في تسليم الملف ومراوحته بين الداخلية والجيش، وعقد اجتماعاتٍ مع أعيان لا يستطيع أحد تحديد حجم تأثيرهم الحقيقي على الشارع.. كلها عوامل تثبت أننا نسير على نفس الخطوات التي ستؤدي بنا إلى نفس النتائج، لا قدر الله!!

التعامل مع الفتنة الأخيرة لم يخرج عن إطار التعامل السابق: الجزء الأساسي منه “أمني”، بالنظر إلى خوف السلطة من امتداد الأزمة إلى أبعد مما تتصور، أما الجزء الثاني فـ”عاطفي”، من خلال العزف على وتر الوحدة الوطنية والعشر الأواخر من رمضان..، وغيرها من “الحقائق” التي لن تصمد طويلا أمام المطالب الواقعية للشارع الغرداوي، ولا أمام ضغط كل الجزائريين، على اعتبار أن الأزمة ليست محدودة جغرافيا في ولاية واحدة.. بدليل المظاهرات التي وقعت هنا وهنالك دعما للضحايا وتنديدا بجرائم القتل!!

المثير للانتباه، أن الحل الأمني كان “مغيّبا” أو “ضعيفا” في الفترة التي سبقت الأربعاء الدامي.. حيث اقتصر عدد الشرطة على 1200 عون في مقابل رفع العدد إلى 3000 عقب سقوط القتلى بطريقة لاتزال غامضة حتى الآن!

الأمر الثاني، أن الأحداث تفجرت عقب سلسلة اللقاءات التي قام بها والي غرداية رفقة عدد من الأعيان وممثلي الهيئات العرفية التقليدية، يوم السبت 4 جويلية، حيث تم الاتفاق على نقطتين،

الأولى: التنسيق بين قوات التدخل السريع ولجان الأحياء، ممّا يرجح أن هذه الأخيرة باتت مستعدة لتسلم مهمة الرقابة والأمن.

والنقطة الثانية: هي رفع اقتراح بزيادة الإعانة المالية للمتضررين من حرق وتخريب البيوت والمحلات التجارية..

الملاحظ أيضا أن اللقاء الذي تمت تسميته بلقاء المصالحة (بارعون جدا نحن في إطلاق المسميات والشعارات!)، أغفل “مشاعر” حتى لا أقول “حقوق” عائلات الضحايا التي رفعت شعار “الحقيقة قبل المصالحة”، فهل أخطأ الوزير نور الدين بدوي في التقدير؟ وهل لهذا الاجتماع علاقة مباشرة بعودة الاحتجاجات، وما مدى مسؤولية الوالي والسلطات المحلية في التهدئة والتحاور بشكل جدي مع ممثلي السكان!!

نقطة أخرى لا أحد يريد أن ينتبه إليها، وهي مطالبة الأعيان مرارا وتكرارا (آخرها في لقائهم قبل أيام مع سلال) بضرورة التحقيق في تحرك مافيا تهريب السلاح بالمنطقة، وهي التي يبدو أنها سهلت العثور على أسلحة وتوزيعها على بعض الجهات التي أوقدت الفتنة!!

السلطة وبعض الإعلام، يختفيان وراء نظريات المؤامرة والتحذير من تقسيم البلاد، وهي مخاوف حقيقية ينبغي لكل حكومة أو سلطة عاقلة أن تضعها ضمن صلب أولوياتها، لكن من المسؤول عن تحصين الجبهة الداخلية لمنع تسلل تلك المؤامرات!؟

لماذا لا يتم التحقيق مع الأعيان ومسؤولي الحكومة وممثلي المجتمع المدني ورؤساء الأحزاب الذين أجمعوا على وجود أطراف خارجية تريد زرع الفتنة بالبلاد، والغريب أنهم يعرفونها بالاسم، لكن لا يريدون ذكرها أمام الملأ؟

هل بتوقيف كمال الدين فخار، تنتهي الفتنة، ويعود المواطنون إلى سابق عهدهم وتنجلي غيوم الفرقة في غرداية؟

ثم لماذا لا يحاسب أحد على ترك فخار يصول ويجول في البلاد طولا وعرضا طيلة تلك الفترة إن كانت الجهات الأمنية تمتلك دليلا واحدا ضده (ماعدا بياناته وتصريحاته التلفزيونية)؟

السؤال الأخطر: هل مايزال هنالك في غرداية وغيرها من الولايات، من يثق في السلطة الحالية حتى تفتح تحقيقا محايدا مع مثيري الفتنة؟ وهل يمكن لهذا التحقيق أن ينصف المظلومين ويحاكم القتلة والظالمين؟ أم أنه سينتهي قبل أن يبدأ ويكتفي الجميع بما يردده سلال هذه الأيام حين يقول مستغربا بعد كل فصل جديد من فصول المحنة: “كيف يمكن لجزائري أن يقتل شقيقه الجزائري في وطن واحد”!!

مقالات ذات صلة