الرأي

حاسبوا “الحركى الجدد”!

قادة بن عمار
  • 5489
  • 40

الضجة الكبيرة التي يثيرها البعض بسبب تصريحات “عجوز فرنسية” حضرت مسابقة ملكة الجمال في الجزائر، تجعلنا نعتقد أن من جاءوا بها واستضافوها كل هذه السنوات وعلى مدار الدورات السابقة، لم يكونوا على علم بطريقة تفكيرها أو عدم اعترافها باستقلال الجزائر!

السؤال الصحيح ليس: لماذا قالت هذه العجوز مثل هذا الكلام الخطير؟ لكن السؤال: هل الجزائر مستقلة فعلا حتى نثور ونغضب لأيّ طرف يشكّك في الأمر؟

إذا كانت مستقلة.. لماذا لم يصدر برلمانها قرار تجريم الاستعمار حتى الآن؟

هل تعتقدون أن بلدا لا يمكنه تجريم مستعمره السابق عن كل الجرائم التي ارتكبها، بمقدوره أن يعاقب امرأة عجوزا قالت كلمتها ومضت إلى حال سبليها، بل وخرجت من القاعة الشرفية للمطار وفي جيبها الكثير من أموال الجزائريين؟ !

كيف نحاسب عجوزا فرنسية، وجدت كل من رحب بها منذ وصولها بالمطار، ثم استضافتها بالفندق وحتى مكان انعقاد المسابقة، لا يتحدثون سوى بالفرنسية، ولا يتباهون سوى بعطلهم التي يقضونها في باريس، ولا يحفظون من الأحداث السياسية والفنية إلا ما يقع في جمهورية دوغول، فما الذي تريدونه منها أن تقوله أو تفكر به، سوى أنها غادرت فرنسا فوجدت نفسها في.. فرنسا!

عندما تعيّن الحكومة وزراء من جنسية فرنسية، وتفتح مجالها الجوي لطائرات الجيش الفرنسي حتى تضرب دولة أخرى، ثم نسمع بهذا القرار الخطير من فم وزير خارجية باريس، وبعدها يسخر منا رئيس جمهوريتها مهنئا وزير داخليته بالعودة من الجزائر سالما دون أن يُقتل أو يُختطف.. وعندما يُستقبل الرئيس الفرنسي في شوارعنا بحفاوة شديدة، ويُقبّل البعض يده على المباشر ضمن سيناريو معد له سلفا، كما يشارك جنودنا في حفل استقلال المستعمر السابق.. ولا نستطيع تجريم هذا الأخير على سنوات ظلمه وقتله واستعباده لنا، بل يتم سحب القرار من البرلمان ومعاقبة من فكروا فيه.. عندما يحدث كل ذلك وأكثر، لا نعتقد أن البلاد استقلت فعلا أو باتت حرة بالكامل؟!

قبل محاسبة العجوز الفرنسية التي صرحت بما تؤمن به، ولو كان عبثا وتطرفا وجهلا بالتاريخ، يجب محاسبة “الحركى الجدد” الذين سلموا البلاد والعباد “تاريخا وثقافة وسياسة واقتصادا ورياضة”، لا بل إنهم يسلمونه اليوم حتى “الجَمال الجزائري”، ثم يدّعون زورا وبهتانا أنه يعبّر عن الأصالة والنخوة والعادات والتقاليد.. رغم أن الجمال المصادق عليه من الفنادق والصالونات المكيفة لا علاقة له بتاتا بجمال الجزائريات الطبيعي.. جميلات المدن والجبال والأرياف، ممن لا ينتظرن لجان تحكيم وفلاشات مصوّرين ولا رأي عجوز فرنسية شمطاء؟!

ما يرفع الضغط فعلا.. أن تتجمد حركة كل الوزيرات اللواتي حضرن مسابقة الجمال وهن يسمعن تلك العجوز تهين البلد والحكومة التي عينتهن في مناصب عليا، ويأخذ رواتبهن من عرق هذا الشعب المزلوط وتعبه.. بل اقتصرت ردة الفعل الوحيدة في انسحاب الوزيرة فاطمة الزهراء دردوري وزميلتها مونية مسلم من القاعة.!!..

الله أكبر على هذا الموقف الوطني والبطولي الشامخ.. الانسحاب من القاعة.. لا بد من تكريم الوزيرتين بمرسوم رئاسي وعرفان شعبي.. وربما نطلق على هذا الحدث العظيم “يوم الانسحاب الكبير” لتدريس تقنياته للأجيال الحالية والقادمة!

من جانبه.. قرر وزير الشباب، عبد القادر خمري، وفي موقف بطولي آخر، سحب الترخيص من منظمي المسابقة، وكأن معاليه لا يعلم، أو أنه يعلم و(ضارب النح) أن المسابقة انتهت والعجوز الفرنسية عادت لبلدها، وملكة الجمال الجزائرية تصول وتجول بتاجها بين وسائل الإعلام، فعن أيّ إلغاء يتحدث الوزير؟!

قبل أيام، تحدثت وزيرة التربية والتعليم عن مسابقات التوظيف في قطاعها فوصفتها بـ”غير اللائقة”.. فإذا كانت مسابقات التربية غير لائقة، فما الذي تنتظرونه من مسابقات “قلة” التربية؟!

مقالات ذات صلة