الجزائر
محللون يؤكدون انتهاج الجزائر سياسة متوازنة بين الشرق والغرب

جولة الرئيس تبون الخارجية.. من دبلوماسية ردود الأفعال إلى “الاستباق”

أسماء بهلولي
  • 3690
  • 0
أرشيف

يُجمع خبراء ومحللون سياسيون على أن زيارات الرئيس تبون إلى 3 عواصم كبرى في ظرف 8 أيام ولقاء زعماء أقطاب سياسية واقتصادية كرؤساء الصين وتركيا وروسيا، وفتح مشاورات حول مختلف الملفات مع الرئيس بوتين، يوحي بالعودة القوية للدبلوماسية الجزائرية التي أخذت هذه المرة طابعي “الابتكار” و”الاستباق” بدل الاكتفاء بردود الأفعال مثل ما كانت عليه في السابق.
وبهذا الصدد، يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أبو الفضل بهلولي، أن زيارات الرئيس تبون الأخيرة التي قادته إلى روسيا وقطر والصين وتركيا، جاءت في الوقت المناسب، وتحديدا في سياق عالمي صعب يتسم بتحولات وضغوطات أدت إلى انعدام الثقة بين الدول، وحتى الهيئات الدولية على غرار الأمم المتحدة، وهي عوامل يقول – محدثنا – أدت إلى بروز تكتل جديد تسعى الجزائر إلى الاندماج ضمنه.
وحسب بهلولي، فإن الجزائر برئاسة عبد المجيد تبون تعي جيدا حجم هذه التغييرات، وأهمية تشكيل كتلة مُوحدة ممثلة في حركة “عدم انحياز جديدة”، تهدف إلى توحيد الرؤى والالتزام بالمواثيق الأممية التي بدأت تتلاشى وتضّمحل.
أما في السياق الخاص، فتحمل زيارة الرئيس تبون إلى هذه الدول عدة قراءات – يقول محدثنا – أبرزها التأكيد على العودة القوية للجزائر دبلوماسيا ودورها الفاعل في إحلال السلام والأمن الدوليين.
كما أن جولات الرئيس العالمية، لم تخل من توقيع الجانب الجزائري لعدة مذكرات تفاهم واتفاقيات ثنائية لاسيما في القطاع الاقتصادي، أبرزها مع دولة الصين الشعبية التي تربطها بالجزائر علاقة تاريخية قوية، إذ تم التركيز على التعاون الدولي التقني في مجال نقل التكنولوجيات الحديثة على غرار الذكاء الاصطناعي الذي يشهد تطورا سريعا، خاصة في المجال العسكري في ظل انتشار ما يعرف بأسلحة التشغيل الذاتي، فلابد – يقول المحلل السياسي – أن يسعى المفاوض الجزائري إلى ضمان وصولها إلى الجزائر من أجل استغلالها في إحلال السلم والأمن ومحاربة الجريمة.
وأبرز ما ميز زيارات الرئيس الأخيرة، تأكيده على أن الجزائر ستلعب دور الوسيط بين هذه الدول وإفريقيا كأن تتوسط للصين لدخول السوق الإفريقية أو أن تحرص على توحيد الرؤى مع اسطنبول في الملفات الأمنية وتوسيع الاستثمار وأن تتشاور مع الدوحة بخصوص مصير القضية الفلسطينية.
كما تتبنى الجزائر اليوم -حسب بهلولي- ما يعرف بمنهج الدبلوماسية الاستباقية ويظهر ذلك بوضوح مطلع سنة 2024، حيث ستشغل الجزائر منصب عضو بمجلس الأمن، وهو ما سيمنحها فرصة لإقناع الشركاء بضرورة حصول فلسطين على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، قائلا: “سيُحال ملف فلسطين على التصويت وستعمل الجزائر على تمريره بهدوء للحصول على عضوية كاملة”.
ومن الناحية السياسية، بدا جليا من خلال تحركات الرئيس تبون – يقول أستاذ العلاقات الدولية – تبني الجزائر ما يعرف بالدبلوماسية المبتكرة، والتي تسعى من خلالها لإيجاد حلول للنزاعات الدولية وتوحيد الرؤى والخروج بمواقف مشتركة، كأن تبحث على سبيل المثال عن حلول لقضية الأمن الغذائي، مصرحا: “رئيس الجمهورية يقوم بمجهود ونشاط دبلوماسي يندرج في إطار الدبلوماسية الرئاسية وهذا نوع رفيع من العمل الدبلوماسي مؤطر في القانون والعلاقات الدولية”.
وأضاف بهلولي: “الدبلوماسية الجزائرية تشتغل في إطار جماعي وتدعو للتمسك بمبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي كسبيل وحيد لحل كل النزاعات، خاصة وأن الجميع يُجمع على أن الجزائر شريك موثوق”.

الرئيس تبون حقق التوازن بين الشرق والغرب
من جانبه، يرى المُحلل السياسي والمُختص في العلاقات الدولية، علي ربيج، أن زيارات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لعدة عواصم عالمية، مكنته من تحقيق التوازن بين الشرق والغرب، فقد سبق زيارة الرئيس إلى الصين وتركيا وقطر وروسيا زيارات أخرى قادته إلى كل من ايطاليا والبرتغال، مشيرا إلى أن الجزائر طالما مالت إلى الجهة الشرقية بحكم عدة عوامل تاريخية قائلا: “العلاقات التي جمعت الجزائر بروسيا والصين مميزة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي”.
كما يرى محدثنا أن هذه العلاقات لا تعني إهمال الجهة الغربية من العالم، وهي المعادلة التي حرص رئيس الجمهورية على تطبيقها من خلال جولاته الأخيرة، وسعيه إلى تحريك عجلة الدبلوماسية، مشيرا إلى أن الجزائر ومنذ 3 سنوات تبنت استراتيجية تنويع الشركاء لتحقيق التوازن، وهذا الأمر ليس بالسهل يقول – ربيح – خاصة وأن النظام الدولي اليوم يعيش حالة من التحول العميق بعد الحرب الروسية الأوكرانية وظهور محاولات كبرى للتموقع.
وأضاف ربيج لـ”الشروق”: “الجزائر اليوم في خضم كل هذه التحولات تحاول المحافظة على مسافة الأمان بين كل هذه الأطراف، كما لم تعد تعتمد على الشعارات السياسية، بل تحولت الرؤية إلى رؤية براغماتية أي من يقدم للجزائر البديل ويكون صادقا في تعامله تكون له الأولوية والأسبقية”، وهو ما ينطبق -حسبه- على دولة الصين، فالجزائر تُعول عليها خاصة في مجلس الأمن فهي تمتلك حق الفيتو .
وأوضح المتحدث أن الجزائر لم تُسقط من حساباتها مشروع الشراكة الأورو متوسطية مع الجهة الغربية من خلال العمل على إحياء الحوار جنوب شمال في القارة الإفريقية، وحتى الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الجزائر شريكا استراتيجيا في المنطقة لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب.

مقالات ذات صلة