الرأي

جهاد الأسرى أشد

محمد سليم قلالة
  • 139
  • 0

جهاد الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني أكبر وأقوى وأشد من جهاد المقاومين في الميدان. حُلم الأسير أن يكون بين إخوانه حاملا السِّلاح ولو كان حجارة، حُلمه أن يُساهم بمهمة مراقبة ورصد للعدو إن كان عاجزا لا يستطيع الحركة، حُلمه أن يرتقي شهيدا في أيِّ لحظة على أن يبقى أسير زنزانات تضيق بمن فيها، يتلقى جميع صنوف التعذيب المادي والمعنوي، ولا يَقْوَى على رفع يديه في وجه ظالمه..
حُلمه أن يجوع مع إخوانه في ميادين القتال، أن يتنقل من نفق إلى نفق مُتسَلِّلا بين الرُّكام باحثا عن رمية يُسدِّدها أو هدف يرصده، حُلمه أن يَتنفَّس غُبار ركام مباني غزة المُهدَّمة، وأن يغطي جَسدَه ترابُها الطاهر الذي ما فتئ يقاوم ثقل دبابات العدو، حُلمه أن يَتنفَّس رائحة غبار العمليات العسكرية وهي تشتد في كل شبر من أرض فلسطين المباركة، حُلمه أن لا يقع أسيرا.. لأن جهاد الأسر أشدّ وأمرّ..
هذا عدوٌّ لا يعرف للقيم الإنسانية معنى، لا يعرف لحقوق الإنسان ولِكرامة بني البشر دلالة، إنه عديم القيم تماما، تنطبق عليه عبارة قرآنية واحدة هي المفسدون في الأرض. بات واضحا أنهم كذلك دون أدنى شك. من يمنع أسيرا من الأكل والشرب والدواء سوى من تدنى إلى مرتبة أدنى من مراتب الحيوان، فالحيوان يفترسك ولكنه لا يمنعك من الأكل ما دمت حيًّا. شَتَّان بين قِيم المجاهدين في فلسطين وقِيم أعدائهم من الصهاينة الأنذال.
تخرج الأسيرة من عند فصائل المقاومة في غزة وهي في تمام قواها البدنية والنفسية، كانت تأكل أفضل مما يأكلون، وتلبس أفضل مما يلبسون، وتتم رعايتها أفضل مما يتم رعاية الأبناء به… ويخرج الأسير من عندهم، وهو هزيل لا يكاد يقف، آثار التعذيب النَّفسي والجسدي بادية على أطرافه مُتجلِّية في عيونه، هذا إذا خرج، وإذا لم يخرج فهو إما يتعرّض لكل أنواع القهر والظلم والتعسف يصل إلى حد القتل عمدا… وكم من سجين لَقِي ربَّه في سجون العدو تحت طائلة التعذيب، وكم من جُثَّة مازالت إلى الآن سجينة بعد أن فارقت الحياة وارتقت شهيدة إلى بارئها؟ العشرات إن لم يكن أكثر.
ومع ذلك لا يتردد مجرم الحرب المعتوه الإرهابي “بن غفير” في أن يُصرِّح بتقليص كمية الغذاء للأسرى، الناقصة بالأساس، إلى النصف! ولا يتحرك العالم ضده، ولا حقوق الإنسان ولا الديمقراطيات الغربية التي ما فتئت تزعم الدفاع عن حقوق مساجين. يتباكون على ضيق قاعات السجون وعلى رداءة نوعية الأكل وعلى النظافة وأحيانا حتى على غياب الترفيه والرياضة لدى المساجين، أما عندما يتعلق بحق المساجين الفلسطينيين الذي زادت محكومية بعضهم على الثلاثين سنة، لا أحد يُحرِّك ساكنا.
لماذا لم يتم الضغط على الكيان لاحترام حقوق الأسرى؟ لماذا لم تُنظَّم الزيارات لِلمحتشدات السّرية في قطاع غزة والسجون النظامية للاحتلال؟ لماذا لم يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة بخصوص أوضاع الأسرى الفلسطينيين التي ما فتئت تتدهور يوما بعد يوم؟ لماذا لا يُدان الكيان على هذه الانتهاكات، والكل يرى الآثار الخطيرة التي يخرج بها مواطنون فلسطينيون من معتقلات سرية وأخرى معروفة وسجون نظامية في حالة كارثية بعد التعرُّض إلى كافة أنواع التعذيب والقهر؟
لذلك، فإن هذا الجهاد الأشد، جهاد الأسرى، ينبغي أن نَشدّ على أيدي القائمين به، وأَنْ لا ننساهم في غمرة المآسي التي نراها كل يوم بين إخواننا في قطاع غزة… فَمأساة الحرّ الطَّليق مهما كانت قاسية لا تُقارَن أبدا بمأساة الأسير، ومعاناة الطليق وجوعه ومرضه حتى وإن كان في العراء لا تقارَن أبدا بمعاناة الأسير وجوعه ومرضه.. خاصة مع عدو فاقد لكل قيم، يسير مباشرة إلى الهزيمة قريبا بإذن الله، جرّاء ضربات الجهاديين: جهاد الميدان الشديد والقوي، وجهاد الأسْر الأشد والأقوى.. اللّهم ثبِّت إخواننا في كلا الجهاديين.. فالنصر قريب والحرية قادمة بإذن الله.

مقالات ذات صلة