الجزائر
تشييد فنادق وأبراج فوضوية وسط التجمعات يتحول إلى "موضة"

جزائريون يتطاولون في البنيان بشعار “طاق على من طاق”

نادية سليماني
  • 15951
  • 10
أرشيف

تحول بناء الفنادق والبنايات الشاهقة وسط التجمعات السكانية والأحياء العتيقة إلى “موضة”، حيث يسارع أصحاب المال إلى شراء سكنات قديمة بنيت أغلبها في الحقبة الاستعمارية ليتم تهديمها وتعويضها بأبراج سكنية وفنادق عادة ما تحجب الشمس والضوء والهواء عن الجيران، ما أسهم في ارتفاع الخلافات العقارية في المحاكم..
ازداد مؤخرا عدد البنايات المشيّدة وسط تجمعات سكانية، والغريب أن البناية يرتفع طولها عن بقية المباني والمنازل المجاورة، لدرجة قد تسدُّ جميع منافذ الشمس والهواء وحتى الطريق عن بقية الجيران، وفي حال اشتكى هؤلاء، يتلقون الجواب المعتاد “أملك رخصة بناء وأتصرف في أملاكي كما أشاء”، فلا يجد الجيران من حلّ سوى اللجوء للقسم العقاري بالمحاكم، وهناك تتكدس ملفات هذا النوع من القضايا لكثرتها، ولتعقد إجراءاتها، حيث قد تستغرق سنوات في المحاكم.
كثيرة هي الشكاوى التي تصلنا لجريدة “الشروق ” باحثة عن حلول، وجميعها تتحدث عن النزاعات بين الجيران في الجانب العقاري، فيتحدث الشاكي أو الشاكون عن تعرضهم “للحقرة” من طرف الجار الجديد الذي لم يراع شروط البناء القانوني.
ولمعرفة شروط تسليم رخص البناء الفردية للمواطنين، اتصلنا برئيس بلدية سيدي موسى، علال بوثلجة، فأكد لنا أن رخص البناء للبنايات الجماعية مثل الفنادق مثلا تصدر عن مصالح الولاية، في حين تتولى المصالح البلدية تسليم رخص البناء الفردية، وحسب قوله “تشييد البنايات ينظمه القانون 15/19 المتعلق بتسليم عقود التعمير، حيث يتواجد بالبلدية شباك وحيد يضم عديد المصالح الدائمة، وهي مديرية التعمير، مسح الأراضي، ممثل عن المحافظة العقارية، ممثل عن أملاك الدولة، الأشغال العمومية، والري والفلاحة ومفتش عن مديرية التعمير، كما يضم الشباك ممثلين غير دائمين لبعض المصالح على غرار الحماية المدنية والبيئة والرّي”.

بوثلجة: المخالفون لرخصة البناء تهدّم بناياتهم بعد إعذارهم

وقبل تسليم رخصة البناء، يؤكد بوثلجة، لابد وأن تستوفي البناية محل التشييد جملة من الشروط التقنية، وأهمها عدد الطوابق، وجود مسافة فاصلة بين منازل الجيران، عدم إغلاق منافذ التهوية والطريق، وفي حال خالف صاحب البناية أحد هذه الشروط التقنية بعد معاينة مفتش التعمير، وتلقت البلدية شكاوى من الجيران، سيصدر ضد صاحب البناية قرارا بالهدم من المصالح البلدية، بعد تلقيه إعذارات.
والغريب، أنه ورغم التشديد في شروط تسليم رخص البناء، كثيرون يخالفون القوانين، ويفضّلون خوض حروب مع جيرانهم في المحاكم.

بوداود: أغلب بنايات الجزائريين مخالفين للقانون

وفي هذا الصدد، أكد المهندس المعماري، عبد الحميد بوداود وجود قوانين تنظم جميع الأمور التقنية عند تشييد البنايات، ومنها مثلا أن تبعد نافذتك عن مبنى جارك بـ 4 أمتار، وأن لا ترتفع نافذتك لأكثر من متر و90 سنتيمتر عن الأرض، لتجنب النظر الى داخل المنزل المجاور.
ومن أكثر القوانين غير المطبقة في بلادنا، يقول بوداود “عدم استغلال القطعة الأرضية كاملة للبناء، حيث يتوجّب اقتطاع نسبة تتراوح بين 20 و40 من المائة لاستغلالها كمساحة خضراء والأمر يتفاوت بين المدينة وخارجها، فمثلا في قطعة أرضية متواجدة في وسط المدينة، يستغل صاحبها 80 من المائة منها في البناء والباقي حديقة أو بستان، أما في حي بعيد عن المدينة، فتُستغل مساحة تصل حتى 45 من المائة كحديقة، ولكن من يطبق هذا القانون عندنا؟” يتساءل محدثنا.
زيادة على المخالفة في عدد الطوابق، حيث يضيف كثيرون طابقا أو اثنين لبناية تتكون أصلا من طابقيْن فقط.
وتأسف المهندس المعماري لكون العشوائية في البناء وفوضى التشييد من دون وجود حسيب أو رقيب، خرّبت جمال كثير من المدن في الجزائر، وحوّلتها لعمارات ومباني شاهقة الطول غير متناسقة فنيا، ناهيك عن التعدي على حرية بعض العائلات في العيش بسلام وحرمة، بعدما حرمتهم كثير من العمارات والمباني الجماعية حقهم في استنشاق هواء نقي والتمتع بنور الشمس، حسب تعبيره.

ابراهيم بهلولي:”مظالم الجوار” تستغرق وقتا في المحاكم بسبب الخبرة التقنية

أكد المحامي المعتمد بالمحكمة العليا ومجلس قضاء الجزائر، ابراهيم بهلولي لـ “الشروق”، أن القضايا المتعلقة بالمشاكل العقارية بين الجيران، تسمى قانونا “مظالم الجوار”، وهي القضايا المتعلقة بالمشاكل بين الجيران، على غرار إغلاق الطريق أو فتح نوافذ في مكان فيه تجسس على خصوصية الجار، أو إغلاق منافذ التهوية والشمس، أو بناء جدار غير شرعي وغير ذلك من المشاكل بين الجيران.
وفسر المحامي سبب تأخر الفصل في هذا النوع من القضايا بالمحاكم، بأن هذه الملفات القضائية التي تعالج على مستوى القسم العقاري بالمحاكم، تحتاج إلى تعيين خبراء تقنيين، للتحقق من ادعاءات الشاكين ضد المُشتكى منهم، حيث أكد “هذه القضايا العقارية، قد تستغرق أشهرا وسنوات في المحاكم”. كما أن قضايا “مظالم الجوار” تستلزم خبرة. فالقضاة يستعينون دائما بخبرة أهل الاختصاص لمدهم بتفاصيل تقنية حول العقار.
“فبينما يحدّد بعض القضاة مهلة زمنية معينة للخبير، حتى يسلم تقرير خبرته للمحكمة، لغرض الفصل في القضية، لا يحدّد قضاة آخرين أي آجال زمنية للخبير، وهذا ما يعطل الفصل في هذه القضايا، بعدما يتأخر الخبراء التقنيون في إعداد خبرتهم وتسليمها للقاضي” حسب تعبير بهلولي، كما أنه غالبا ما يلجأ أطراف القضية إلى الطعن في الخبرة المُعدة والمطالبة بخبرة مضادة، وكل ذلك يستغرق وقتا.

مقالات ذات صلة