الرأي

تعلموا‭ ‬من‭ ‬الصومال‭!‬

قادة بن عمار
  • 4913
  • 5

حتى وقت قريب، كان الجزائريون يتندّرون في حديثهم عن الخوارق التي لا يمكن لها أن تحدث بتاتا على أرض الواقع، بالقول إنها فيلم هندي، أو يصفون صاحبها باعتباره واحدا من جماعات “هندو”، تماما مثل اتهامهم لمن يقول إنهم يعانون من الجوع وقلة الحال وضيق المعيشة، بأنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬في‭ ‬الصومال‭…‬‮ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬المزري‭ ‬الذي‭ ‬بتنا‭ ‬نعيشه،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أصبح‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬المجاعة‭ ‬الصومالية،‭ ‬وأكثر‭ ‬خرقا‭ ‬للواقع‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الهندية‭!‬

وعلى ذكر الصومال الشقيقة، فإن انتخاب رئيس جديد فيها، دون دماء ولا خروج دبابات إلى الشارع، ولا حتى اندلاع ربيع عربي ديمقراطي فيها، بدعم من قطر أو قوات الناتو، يؤكد بأن الديمقراطية وسلوك التداول على السلطة، لا علاقة لهما بتاتا بالظروف المعيشية، ولا بضيق الحال،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬انتشار‭ ‬القرصنة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وانقسامها‭ ‬إلى‭ ‬شطرين‭!‬

في الصومال، يتصاعد عنف الجماعات المسلحة، وقد كانت آخر مظاهره محاولة اغتيال الرئيس الجديد، ولكن هذا البلد المفكك لا توجد فيه حركات تقويمية للأحزاب المغشوشة، ولا برلمان مزوّر يمارس الموافقة على كل شيء دون مناقشة، ولا عسكر يراقبون السياسة ويفرضون الفيتو عليها، ولا حزب يدّعي الحصول على أغلبية انتخابية ثم يتنازل عنها طواعية، ولا مناضلون شبعوا كروشهم، ومارسوا الكذب والنفاق المنظم و”الهف” الاستراتيجي داخل أحزابهم السياسية وعلى مواطنيهم والفئات الشعبية التي يمثلونها.

قد يقول البعض: ولكن في الصومال لا توجد حتى دولة، وهذا الكلام فيه كثير من الحقيقة، لكن الصوماليين مارسوا الديمقراطية حتى بغياب الدولة، أما نحن فلم نفعل شيئا غير مصادرة الديمقراطية وعسكرة الدولة، وتسليم السلطة لشبكات منظمة من الفاسدين، فشلت في قطع دابرهم جميع‭ ‬دواوين‭ ‬المكافحة‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية‭!‬

ولعل أقرب مثال واقعي فيما يحدث حاليا من حولنا، النموذج السوري الأسدي، والذي فشلت من خلاله الدولة البوليسية في الحفاظ على ديمومة الحاكم على الكرسي، فضاعت الدولة، وأغتيلت الديمقراطية، وانتحرت جميع أشكال الاستقرار، وبات الحاكم الذي كان يعتقد نفسه لا يسقط ولا يموت ولا يعارضه أحد شيئا من الماضي، في حين قدم الصوماليون نموذجا ديمقراطيا خالصا في الأيام الماضية، أطلّ برأسه في خضم ربيع عربي، ولد كبيرا في أحضان الشعب وبين أزقة الشوارع، وانتهى محصورا ومختطفا من طرف حسابات ضيقة وتدخلات أجنبية!

الصومال، الدولة الفقيرة التي تشارك العرب عضوية جامعتهم المفككة والمنهارة أصلا، والتي كان رئيسها يجلس في القمم السياسية والاقتصادية، في زاوية مهمشة، فلا يفتقد إذا غاب ولا يستشار إذا حضر، بات من الضروري مع التجربة الديمقراطية الأخيرة، أن يجلس مغتبطا بمجيئه للسلطة بإرادة نيابية وشعبية خالصة، كما أن انتخابه لم يفرز لنا حرب شوارع ولا اختطافات أو أي أزمات، على عكس البقية من حكام اللحظات المهربة من التاريخ، وأصحاب الكراسي المرفوعة فوق الرؤوس المقطوعة والجثث المرمية، وهؤلاء لن يذكرهم التاريخ ولن تتحدث عنهم الأجيال في‭ ‬المستقبل‭ ‬سوى‭ ‬باللعن‭ ‬والبصق‭ ‬على‭ ‬سيرهم‭!‬

مقالات ذات صلة