الرأي

تسعة أشهر من المخاض.. بدون مولود

الفسحة التي تمنّاها الصهاينة، من أجل غسل عارهم في السابع من أكتوبر، في حرب ردّ الاعتبار، تحوّلت إلى عذاب، يشرب من كأسه الأمريكان أيضا، فقد مضت قرابة التسعة أشهر من المخاض العسير، ولا ملامح لمولود ظهرت، من وعود سحق المقاومة واسترجاع الأسرى بالقوة.

وحتى ما كان يظنه الكثيرون، بأن طلبات الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أوامر لأفراد المقاومة الفلسطينية، عندما راح يخطب و”يأمر”، ضمن صفقة رسمها بالمكر الأمريكي المعروف، الداعم للكيان الغاصب، تبخّر هذه المرة، وردّته المقاومة، التي كلما ظنوا بأنها اقتربت من نهايتها، أو من الجنوح للسلم الظالم للشعب الفلسطيني، أظهرت بأنها قادرة على بداية أقوى، في كل مكان وزمان.

يشعر بايدن بالحرج أمام شعبه على مقربة من الانتخابات الأمريكية، ويشعر نتانياهو بالهزيمة التي صار يعترف بها شعبه، وبدأ الإحساس في العالم بأسره بأن نهاية الإمبراطورية الأمريكية صارت أقرب من أي وقت مضى. وبعد تسعة أشهر من النار والحديد، مازالت أسطوانة “الحرب الوجودية” هي النغمة الوحيدة في جهة الصهاينة الذين صاروا قريبين من الاستسلام، بعد أن تيقّنوا بأنهم هذه المرة يواجهون رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

في حرب تموز سنة 2006 أمام أبطال “حزب الله” اللبناني، وصف أولمرت، الأيام الـ34 التي استهلكتها الحرب، بـ”الجحيم” الذي يجب أن لا يعيشه الإسرائيليون مرة أخرى، وشرّح مساحة “البلاد” وعدد السكان ومكوّناتهم العرقية، والجنسيات التي يمتلكونها، والدول المحيطة بمكان تواجد الإسرائيليين، وقرأ بدقة بأن أيّ حرب جديدة وطويلة، على شاكلة ما حدث في شهر تموز 2006، هو لعب بوجود “إسرائيل”، وها هو أولمرت نفسه، الأكثر رفضا للحرب الحالية التي زادت للشهر، ثمانية، ولخوف الصهاينة هلعا، لأنه صار يرى بأم عينيه، بأن النهاية قد اقتربت.

في الثالثة عشر من ماي 1940، تولى وينستن تشرشل مقاليد الحكم في بريطانيا، وكانت بلاده تعيش تحت القصف الألماني والدمار الشامل، وأطلق خطابه الشهير أمام مجلس العموم، قدّم فيه شروط النصر وهو يقول: “ليس لديّ ما أقدّمه سوى الدم والدموع والعرق”.

وفي الفاتح من سبتمبر 1945، أرسل الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين تباشير الانتصار على النازية، مختصرا سبب هزيمة أدولف هتلر، في تصلُّبه وغروره وتقديراته العسكرية الخاطئة وكذبه على شعبه ونرجسيته واستصغاره للطرف الآخر.

وواضح بأن أسباب النصر، كلها متوفرة في المقاومة، أكدتها الأشهر التسعة المتعاقبة، وبأن أسباب الخسارة كلها متوفرة في النازية الجديدة، وقد رسمتها الأشهر التسعة المتعاقبة.

تسعة أشهر، و”العاقر” الصهيونية، تنتظر ملامح “غلام” النصر، الذي بشّرها به نتانياهو.. وهي لا تعلم، وربما لا تريد أن تعلم، بأن: “النطفة” هذه المرة لم تكن أصلا، فما بالك بالعلقة والمضغة واللحم الذي يكسو العظام.

مقالات ذات صلة