الرأي

تحكّموا في الرداءة على الأقل!

قادة بن عمار
  • 16510
  • 25

تقول وزيرة البريد وتكنولوجيات الاتصال، إيمان هدى فرعون، وهي أستاذة جامعية برتبة بروفيسور قبل أن تكون وزيرة في الحكومة، إن مشكلة تدفق الأنترنت وعدم القدرة على تلبية متطلبات السوق ورغبات الزبائن لا علاقة له بالوسائل وتوفير الإمكانات المادية، ولا بتوصيل الألياف البصرية أو حتى بصرف المبالغ المالية الطائلة، وإنما له علاقة بـ”عدم التحكُّم بالتكنولوجيا”!

نحن عاجزون عن التحكم بالتكنولوجيا، ليس في قطاع الاتصالات وحسب، وإنما في قطاعات عدّة أخرى، أهمها الطاقة، بدليل أننا نمتلك ثرواتٍ بديلة وطاقات متجددة، لكننا لا نحسن استعمالها، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه، وهي كلها ثروات لا تنضب على عكس البترول والغاز، وعلى عكس طاقتنا في التفكير التي جفّت تماما أو تكاد!

عدم التحكم في التكنولوجيا كان سببا أيضا في تأخر استغلال الغاز الصخري لأن القرار الذي تم اتخاذه في السابق كان سياسيا أكثر منه قرار علمي وبيئي واقتصادي، أمر دفع بالرئيس بوتفليقة إلى تصحيح الخطأ من خلال تصريحه في آخر رسالة بعثها بمناسبة جلسات الانتقال الطاقوي وبمشاركة 1200 متعامل اقتصادي أنه “لا استغلال للغاز الصخري ما دمنا لا نمتلك التكنولوجيا لحماية البيئة والمواطنين”.

لكن السؤال في كل ما تقدّم ذكره من معطيات وتصريحات: هل نحن عاجزون فعلا عن التحكم بالتكنولوجيا ولا نمتلكها؟ أم أنّنا فاشلون أيضا في التحكم بالرداءة التي تهين العقول ولا تحترم العلماء وتخشى كل ابتكار وتتصدى لكل تغيير؟

هل المشكلة في غياب العقول؟ أم في غياب البيئة المناسبة لطرح الأفكار وتنفيذها، بدليل أن العديد من الجزائريين برعوا في مجالات علمية معقدة في الخارج؟!

لن نتحدث هنا عن إهانة الأطباء ولا مطاردة الأساتذة أو حتى عن استعمال “البلطجة” ضد بعض النقابيين بالجامعة مثلما تم قبل أشهر، لكننا نتحدث أيضا عن غياب ثقافة احترام العلم والعلماء، لدى الدولة والجهات الوصية أولا، ومن طرف رجال الأعمال ومسؤولي الشركات العمومية والخاصة أيضا.

اتفاقيات عديدة تم إبرامها بين الجامعة ومخابر البحث من جهة، وشركات ورجال أعمال من جهة ثانية، لكنها بقيت مجرد حبر على ورق، ولم يُنفَّذ منها أيّ بند، ذلك أن صاحب المال لا يُعدّ فقط جبانا في الخوف على أملاكه وإنما لا يعتقد بوجود شيء اسمه “العبقرية الجزائرية”، وإلا بماذا يمكننا تفسير لجوء الكثير من الشركات والمؤسسات والإدارات إلى مكاتب دراسات أجنبية من أجل إعداد بحوثٍ شكلية وبسيطة، بل وصرف الملاييرعليها بدلا من التعاون مع خبرات محلية وكفاءات وطنية؟

الأمر له علاقة بالمناخ الموبوء الذي أسّست له السلطة والحكومات المتعاقبة، منذ الاستقلال وحتى اليوم، مناخ ينبذ التفكير خارج الوصاية، ولا يؤمن بالتغيير حتى وإن كان مبنيا على أسس علمية، بل لا يمارَس العلم سوى في المؤامرات مثلما كانت “المؤامرة العلمية” ضد عبد الحميد مهري، أليس هو القائل: “نحن في زمن الرداءة وللرداءة أهلها”؟ إذن فلنتحكم في الرداءة على الأقل، ما دمنا قد فشلنا في التحكم بالتكنولوجيا!

مقالات ذات صلة