-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مثقفون يدعون إلى التخلص من إرث الإدارة الاستعمارية

تحقق المهم في انتظار الأهم

زهية منصر
  • 263
  • 0
تحقق المهم في انتظار الأهم
أرشيف

يرى المثقفون الذين تحدثنا إليهم أن مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال يستحق منا وقفة للجرد، والحصاد والتأمل، من أجل تحديد أولوياتنا. ويجمعون على أن ما فعله الاستعمار الفرنسي من محاولات طمس الهوية الثقافية والحضارية للجزائر فضيع وكبير جدا لكنه وبرغم ذلك فإنه لم يفلح، بدليل أن الإنسان الجزائري بقي دائما الثورة ضد المستعمر منذ أن دخلت فرنسا الجزائر وأن الجزائري بقي دائم الشعور بالاختلاف عن الفرنسي الوافد.

ويرى بعض الذين تحدثنا إليهم أن ذكاء صناع الثورة الجزائرية أنهم منحوها بعدا ثقافيا وحضاريا مستغلين بذلك الوسائل المتاحة من أجل الدفاع عن الشخصية الجزائرية في وجه الطمس الذي حمله الاستعمار الفرنسي فالثورة الجزائرية كما قال المخرج محمد حازورلي ربما هي الثورة الوحيدة في العالم التي استغلت الموسيقي والمسرح والسينما والشعر والصورة للدفاع عن نفسها.

يعتقد الشاعر سليمان جوادي إن الجزائري لم يفقد شخصيته الحضارية حتى يستعيدها وأن “الإستعمار الفرنسي الغاشم والذي يسميه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الاستخراب ويطلق عليه الدكتور مولود قاسم الاستدمار دخل الجزائر بجيشين اثنين جيش مدجج بالأسلحة الفتاكة للقضاء على “جسد” الإنسان الجزائري وجيش من المبشرين مهمته القضاء على هويته ومحاولة فصله عن كل ما يربطه بحضارته العربية ودينه الإسلامي، لذا رأينا أن أغلب المقاومات الشعبية الجزائرية كانت مقاومات عسكرية قادها شيوخ زوايا وطرق انتفضوا ضد الحربين العسكرية والحضارية وقد وجد الاستعمار رغم الإمكانيات المادية الضخمة التي سخرها صعوبة كبيرة في القضاء على هوية الشعب الجزائري وذاته بل استحال عليه ذلك إلا في حالات معزولة جدا.

وتأتي الحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين لتركز أكثر على حرب الهوية والمقاومة الثقافية والفكرية والدينية ومن هنا فإن القول باستعادة الجزائر لذاتها الثقافية وهويتها الحضارية بعد ستين سنة من الاستقلال لا يستقيم لأنها لم تفقدها حتى تستعيدها” وأضاف المتحدث انه وبرغم ذلك يتعين علينا “تسجيل أن ما فعله بعد الاستقلال ما يسمى بضباط فرنسا و”الحركي” الجدد تتقدمهم بعض وسائل الإعلام المفرنسة أفظع وأبشع وأشنع مما فعلته فرنسا ذاتها وقد بدأت هذه الردة في الاضمحلال والانحسار ولله الحمد والمنة”.

من جهته يرى الشيخ محمد صالح الصديق وأننا لم نمنح الثقافة مكانتها التي تستحقها برغم أنها كانت رافدا مهما في الكفاح الوطني حيث أوضح الشيخ الصديق في اتصال معه أن “الحقيقة الناصعة التي يجب تسجيلها أن الشعب الجزائري ضحى من أجل حريته بأكثر من سبع ملايين منذ دخول فرنسا إلى يوم خروجها من أجل أهداف كبيرة في مقدمتها الثقافة. ولكن يقول الشيخ محمد صلاح الصديق أننا اليوم لم نسترد ثقافتنا ذلك أن التقدير الذي يمنح للطعام والشراب واللباس أكبر من التقدير الذي يمنح للكتاب والشاعر والأديب”. ويرى الشيخ الصديق أننا ما زال بعداء عن الثقافة الحقنة وبرغم ذلك يبقى الأمل قائما حسبه في أن تدرك الثقافة مكانتها التي تستحقها في هذه الأمة.

بالنسبة لعبد العزيز غرمول، فإن استعادة الثقافة والوعاء الحضاري للجزائر يقتضي التخلص من ارث الإدارة الكولنيالية الذي لا يزال حسبه ماثلا في السلوك اليومي الجزائري بكل المظاهر السلبية الموروثة عن الإدارة الكولونالية القائمة على تهميش الذكاء وعدم الأخذ برأي العلماء والمثقفين وأضاف غرمول في اتصال معه أن الجزائر لديها إمكانيات ثقافية وحضارية كبيرة تؤهلها لصناعة نماذج تكون قدوة لشبابنا بدل الرموز التافهة التي تسوق اليوم عبر الفضاءات الرقمية ولكن ينقصنا طريقة وكيفية التسويق لهذه الرموز. بحيث يرى المتحدث أننا اليوم وبعد أزيد من نصف قرن من الاستقلال مدعون للعمل من أجل تثمين قيمة العمل وإعادة الاعتبار للذكاء والتخلص من الإرث السلبي للإدارة الكولونيالية وإعادة الشباب إلى سكة الأهداف الكبرى للبلد والأمة.

أما المخرج محمد حزورلي فيرى أن ما حققته الثورة الجزائرية انجاز كبير لم تسبقها إليها الكثير من الثورات، وربما تبقى الثورة الجزائرية الثورة الوحيدة التي عملت على استغلال كل الوسائل الثقافية المتاحة من سينما ومسرح وموسيقي لان قادة الثورة تفطنوا مثلا لكون السينما مهما جدا في الرد على الدعاية الاستعمارية وأن الصورة بإمكانها أن تصنع الفارق وتفجر الحقيقية وفعلا فجرتها في الأمم المتحدة عن طريق أعمال جمال شندرلي ولبودوفيش وغيرهم من أسماء الرعيل الأول من المخرجين الذين أخذوا على عاتقهم أطلاق صناعة سينمائية في جبال الثورة رافقت القضية الجزائرية.

لهذا يقول حازورلي إن الأفلام الأولى التي أنجزت مباشرة بعد الاستقلال كانت قوية وتمثل الثورة الجزائرية، وبرغم ذلك يرى المتحدث أننا لم نقدم ثورتنا سينمائيا كما يلزم بحيث هناك زوايا كثيرة لم نحسن استغلالها خاصة في عصر يتسم بالتطور السريع لحد دأبت فيه الفروق بين السينما والتلفزيون، وهنا دعا المخرج إلى ضرورة التركيز على أهمية إبراز الشخصية الجزائرية في هذه الأعمال وخاصة ما تعلق منها بالتراث الشعبي بكل عناصره والتي كان لها أكبر دور في النضال لأن الثورة لم تكن فقط في الجبال بالقنابل لكن حتى الشعر الشعبي مثلا يمكن اعتباره رافدا مهم في كتابة التاريخ بعيدا عن الرقابة الاستعمارية فالكثير من قصائد الشعبي تصلح اليوم لتكون أفلاما تروي حقائق لان التراث الشعبي كان حسب حازورلي درعا في وجه محاولات طمس الشخصية الوطنية للمستعمر الفرنسي.

وقال محمد حازورلي في حديث للشروق إننا اليوم مدعوون إلى المزيد من الاهتمام بالتسجيل الذاكرة ورغم ما تحقق اليوم في جزائر الاستقلال حيث منح التطور التقني للجيل الجديد من المخرجين إمكانيات وتسهيلات في صناعة أفلامهم لكن تبقى جهود المهنيين، حسبه، مطالبة بمواكبة الإرادة السياسية من أجل إعادة بعث وإطلاق هذا القطاع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!