-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تأملات ظرفية في الرئاسيات الجزائرية

عبد الرزاق قسوم
  • 2725
  • 11
تأملات ظرفية في الرئاسيات الجزائرية

شر البليّة في التسييس والسياسة ما يبكى وينكى، وما يبعّد ويزهّد، في أداء الواجبات وأخذ المستحقات. إن من نكد الدنيا، على الجزائريين شيوع هذا الغموض المريب، والصمت الغريب، حول ترشح الرئيس، وما يحيط ذلك من التلبيس والتدليس.

فعلى بعد أسابيع قلائل من الاستحقاقات الرئاسية، لا يعرف الجزائريون، إن كان الرئيس الحالي سيترشح لخلافة نفسه، أم لا. وما هي الحيثيات المحيطة بصحة الرئيس، التي تمكنه من أداء مسؤوليته أم لا. وكما قال هو بنفسه ذات يوم، أنه “لا حيلة مع الله”. وما دام هو ملك للدولة كلها، فإن من حق الشعب الجزائري أن يعرف كل صغيرة وكبيرة عن صحة الرئيس ومرضه.

يحدث هذا في الوقت الذي نرى فيه تسابقا سريعا نحو الترشح، لمنصب بلوغ أسمى الغايات، والاضطلاع بأعلى المسؤوليات.  

لئن كنا نسلّم بحق كل مواطن أن يحكم بلده نظريا، فإن من أقل الواجبات ــ عمليا ــ الاحتكام إلى وعي الضمير، وتقدير عواقب المصير، ذلك أن الاضطلاع بمسؤولية الأمة، هي أثقل وأنبل مهمة، وقد تعقبها حسرة وندامة أمام التاريخ، ويوم القيامة. 

فعندما نرى هذه المسؤولية يراودها من هب ودب، فيسومها المفلس والضال، والمشعوذ والطبّال، والمفسد والمحتال، ندرك أعراض الداء، وعاقبة سوء المآل.

إن الجزائر تعاني مخاضا عسيرا، وتحديا خطيرا، يتطلب مرشحا كبيرا، خبيرا، وقديرا، يكون جديرا بتقلّد مسؤولية الرئاسة، متضلعا في علم السياسة.

إن الرئاسة في الدولة كالإمامة الكبرى في الدين، لا بد أن تتوفر في صاحبها مجموعة من الشروط كي تصح، ولعل أبرزها:

  1- السلامة البدنية والعقلية، لضمان القدرة على أداء الواجبات.

2- النزاهة الخلقية، ممثلة في حسن السلوك، وأداء العبادات.

3- نظافة الذمة المالية، كي يقوم بتطهير دواليب الدولة من المفسدين والمفسدات.

4- النقاوة الوطنية، للذب عن سيادة الوطن، وإعادة المواطن إلى الذات.

5- وضوح الرؤية السياسية، للتعامل بكل ندية مع الدول، وحماية استقلال الوطن وكل المكتسبات.

إن هذه العيّنة من المعايير، هي التي يجب أن تحكمنا، في قبول الترشح، وانتخاب من يستجيب لهذه المقومات، فأمام الرئيس المنتخب غليان اجتماعي، يجب إيجاد الحل له، والجزائر، بما وهبها الله من خيرات قادرة على ذلك.

وفي الجزائر، فساد عم كل المستويات سببه الرشوة، وتزوير الفواتير، والسطو على مال الغير، وما إلى ذلك من الآفات. ويعيش المواطن عنفا، بجميع أشكاله، لفظيا، وماديا، ومعنويا، لا يكاد يخلو منه شارع، أو حي، أو قرية، أو مدينة، وما ذلك إلا لانعدام الوازع التربوي والخلقي، وضعف الرادع الديني، والأمني.

وقبل ذلك كله، وبعده، يعيش الشعب الجزائري، انسلاخا عن هويته، وتنكرا لوطنيته، وغلوا في دينه وعقديته.. ليدرك من يقبل على تحمل مسؤولية الرئاسة في الجزائر، أن هذه هي التحديات التي تواجهه، وهي _كما رأينا- تتطلب عزيمة فولاذية، ومجموعة فدائية، وسياسة وطنية، وحبا بين الراعي والرعية.

إذا كانت هذه هي المرحلة الحرجة للجزائر، فإن من غير اللائق، انشغالها، بالانشقاقات، والتفرقات، وتقسيم الصفوف بالضرب على الدفوف، وزرع الاتهامات والاعتداءات، وبث الفتن التي لا تجلب إلا المحن.

إن الحدود ملغمة بالسدود، وإن غرداية تستضرح الطيبين حسنى النوايا، وإن أبناء الجنوب ينشدون العدل المطلوب، ويتوقون إلى الاستفادة من المال المنهوب، وإن الساهرين على تربية أبنائنا من سلك التعليم، لا يريدون إلا إنصاف جهدهم ومساواتهم، بالذين


يستفيدون ولا يفيدون.

أرأيت يا قارئي العزيز، عينة من التحديات التي تنتظر الرئيس القادم الذي سيحكمنا، ونماذج من الأزمات التي تعصف بأقاليمنا وفآت شعبنا، ولا تسأل عن مشاكل الشباب، والأسرة، والأحزاب، وليقس ما لم يقل.

كنا نود صادقين، إبراء للذمة، أن تقدم إدارتنا، وحكومتنا، على اتخاذ إجراءات جريئة، يسجلها لها التاريخ بمداد من ذهب، إن هي أرادت ضمان النزاهة الانتخابية، وتحقيق الشفافية، وإزالة كل ضبابية، أن تؤسس اللجنة الحرة الانتخابية من الكفاءات الوطنية، وأن تنزع مسؤولية الانتخابات من الداخلية والعدلية، حتى تبرئ ذمتها أمام الله، وأمام التاريخ، ففي ذلك ضمان لصدق الوطنية، والإيمان بمصير جزائر الحرية، ونعتقد أنه مازال بالإمكان الإقدام على مثل هذه الخطوة التاريخية، وعلى الجميع أن يدرك أن التاريخ أيام، وأن الأيام صحائف، فلنخلد فيها جميل الذكر… 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • ا مقداد

    غير موجود ... لأن من تجتمع فيه هذه الصفات يعزف عن الترشح و يترك بذلك الفرصة لمن تسيل أموال البترول لا الرئاسة لعابهم ، فأين مرشح جمعية العلماء المسلمين ، مثلا ؟

  • بدون اسم

    السلام عليكم استاد
    لمادا لا تكونوا عمليين وتتحملوا كجمعية علماء مسلمين مسؤتياتكم التاريخية امام الله وامام الشعب وترشحوا رجلا منكم او من ترونه بتلك المواصفات ما الدي يمنعكم من اتخاد مبادرة مثل هته.سئمنا الردائة كفانا تنضير. كونوا خير خلف لخير سلف(ابن باديس الابراهيمي..)لا تتركوا الساحة و تبرؤا دممكم بالكلام اليس فيكم رجل رشيد.انها امانة والله سائلكم عنها.والله غلب على امره.الا هل بلغت الهم فاشهد...ابو محمد الامين(الجزائر)

  • ام كلثوم

    هكذا يجب ان يكون اتباع جمعية علماء المسلمين واحفاد ابن باديس والابراهيمى..تكون لهم كلمتهم ورايهم فى تسيير شؤون البلاد والعباد حتى لايرمون بالعقم ويتهمون بالتهم الواهية..بورك فيك يا اخ على هذا النصح والتوجيه الربانى الذى ان عمل به سترسى السفينة وركابها الى شاطىء الامان ..ما احوجنا كما ذكرت الى رجل يرى فى المسؤولية تكلييفا وليس تشريفا .ينشد تغيير الافكار لاالرجال.التغيير الجذرى الذى يخدم مصالح الامة لاالتغيير الذى يراد به الحق لكن باطنه هو الباطل .نعمى الكلمة التى كتبت ونعمى المسؤول الذى يطبقها

  • farid

    بارك الله فيك و اطال عمرك يا استاد نا العزيز...ليتهم يقرؤون ويفقهون هده الاسطر الدهبية ولكن هم صم بكم عمي لا يبصرون الا الد نبه.

  • الحاج

    ويوهمون الشعب انها مصانع لسيارات وحتى الطائرات اوللصناعة النووية انهم اصغر من ان يكونو وطنيين يخدمون بلاهم كالكوريين او الماليزيين فهم يخدمون اعداء الأمة اكثر من خدمتهم الشعب هل عقمت الجزائر على انجاب فحل يتولى زمام الأمور في هذه الدولة ليضعها في موقعها الحقيقي الذي يستحقه هذا الشعب الأبي و يطبلون بشخص عاجز على قضاء حاجته ولاشماتة غير انه المرض والكبر ويبعدون المخلصين من ابناء هذه الأمة واصبح يتكلم عن منصب الرئس كل من هب ودب ولاحض له من علم و ادب فلكي الله ياجزائرنا الحبيبه ليطهركي من الأنذال

  • الحاج

    لا يخفى عليك يا دكتور ان مايجري في بلادي مقصود من قيل اتباع فرنسالانهم مؤجرين على ذالك لايتركون الوطنيين يصلون الى السلطة لأنهم قد يخدمو البلا دوالعباد وهذا ليس في صالح الغرب آلا تعلم يا د الأزمة الكورية في منتصف خمسينات القرن الماضي واستردت كوريا أنفاسها في بدايت الستينات عندما استقلت بلادي فكورياصناعتها لايخلو منها سوق في العالم ونحن مازلنا نستورد الغذاء انهم لايريدون لهذه الأمة ان تنهض مسلطين على رقابنا ويكذبون علينا فمنذ 20سنةننتظرصناعةسيارة جزائرية يقفون مع اسياديهم الأجانب على هياكل خاوية

  • نبيل

    السلطة عروس جميلة ومتطلبة، يهرب منها النبهاء ويبتعد عنها النزهاء ويغتصبها السفهاء. هذه هي دراما السلطة، من يستحقها لا يأبه بها ويتفاداها أما من لا يستحقها فتجده يلاحقها ويعاكسها حتى يظفر بها.

  • elbahli

    بارك الله فيكم يا استاذ ودمتم منارة للاجيال , ولكننا في زمن الرداءة من يسمع للعقل غائب لاحول ولا قوة له والذين بيدهم مصير البلد اعمت بصيرتهم اوساخ الدنيا من الاموال والسلطة والجاه ومستقبل البلد على كف عفريت
    لقد انعم الله علينا بالحرية والانعتاق من المستدمر الافرنجي , ولكن انقلاب62 غير مجرى واهداف ثورة الشهداء ,وخنا العهد الذي استشهد من اجل الرجال الذين اصطفاهم الله وبقي المتربصون بالمغانم والكراسي فاقصوا الاحرار وكبلوا العلماء و هجروا المعارضين واغتالوا المجاهيرين والنتيجة ما زلنا في حلقة مفر

  • elbahli

    السلام عليكم ان اقدام هؤلاء البشر على الترشح عملية مقصودة من الفاعلين على شؤون البلد حتى يبينون للناس ان العهدة الرابعة لامفرة منها (لموالفة ولا التالفة) والا كيف نفسر اقدام من هب ودب علي الترشح من دون اي شرط بسيط (اي منصب عمل او ملف اداري يتطلب من صاحبه حزمة من الشروط والوثائق)
    اقترح ان يكون الذي ينوي الترشح لهذا المنصب ان يكون منتخب في اي مجلس بلدي .,ولائي ,وطني سيناتو ر, او اي مجلس مهني له صبغة وطنية اوشغل منصب سيادي(مدير عام,والي,وزير ,رئيس مجلس ادارة.

  • عبد الحي

    او على الأقل أفضل من المنهاج الذي يطبقه الحزب الحاكم ، وهو بهذا ينتقد الطريق الذي سلكه الحزب الحاكم فهو يرى أنّه يفوت على الشعب العيش الرغيد والحياة السعيدة . ولكن كل هذا يصلح من الناحية النظرية أما مع تدحل القوى الدولية العظمى التي هي حريصة على مصالحها في العالم التي لا تترك الشعوب ( لا سيما الشعوب التي تتواجد بها مصالحها الحيوية ) ونعود إلى تأسيس الأحزاب فإنّ الأفكار التي قد يتفق عليها الأفراد لا تصل إلى ستين أو سبعين . وفي الساحة نرى عدة أحزاب لها نفس الفكرة أو الأفكار فكم من حزب دمقراطي ..

  • عبد الحي

    شكرا ، جزاكم الله ، فلقد أمرت بالمعروف ،نتمنى أن تجد آذانا صاغية . المنطق أنّ المرشح لا يرشح نفسه وإنما يرشح من الغير (سيما من الخيرين والمستقيمين) هذا بالنسبة للمرشح الحر . أما المرشح الحزبي لا ينطبق عليه هذا القيد. لأنّ أي حزب إنمّا يستهدف الوصول إلى السلطة ، وإلاّ كان الحزب عبثي ، ولكن هذا يقال إذا كان الحزب حزبا بمعنى الكلمة ، وأقول هذا لأنّ الحزب عبارة عن جماعة من الأفراد كانت لها رؤية أو رؤى واحدة ن واقتنعت أنّها السبيل الوحيد أو الأحسن الذي يصنع جنة في الأرض أي يحقق المعيشة المثلى للشعب