الرأي

بُعثت بالحنيفية السّمحة

من الحقائق التي لفت القرآن الكريم الأنظار إليها أن الله -عزّ وجلّ- وهو الخالق العليم الحكيم، لم يجعل الخلق نمطا واحدا في ألسنتهم وألوانهم، بل جعلهم شعوبا وأمما وقبائل على طرائق قددا، لا ليكون هذا الكون أتونا مستعرا لسفك الدماء وإزهاق الأرواح، وتهديم كل قائم، وإنما كل ذلك وإن وقع بالأمس واليوم فهو اعتداء وإفساد يجب أن يُزال.

فالإنسانية تتنوع إلى شعوب وقبائل، والسماحة هي السبيل الوحيد إلى تعايشها وتعارفها في الإطار الإنساني العام. وهذه الأمم والشعوب والقبائل تتنوع أجناسها وألوانها وألسنتها ولغاتها ومن ثم قومياتها كآية من آيات الله ((وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِين)) (النّور، 22).

والسماحة هي السبيل الوحيد لتعايش الأجناس والقوميات في إطار الحضارات الجامعة لشعوب هذه القوميات، وهذه الأمم والشعوب تتنوع دياناتها، وتختلف مللها وشرائعها، وتتعدد مناهجها وثقافاتها وحضاراتها، باعتبار ذلك سنة من سنن الابتلاء والاختبار الإلهي لهذه الشعوب والأمم، وحتى يكون هناك تدافع وتسابق بينها جميعا على طريق الحق، وفي ميادين الخيرات. يقول الله تعالى: ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)) (هود، 118- 119). والمفسرون يقولون عن هذا الاختلاف وذلك التنوع، وتلك التعددية في الشرائع والمناهج والثقافات والحضارات، إنها علة الخلق، وأنّ المعنى “وللاختلاف خلقهم”، ومن دون السماحة يستحيل تعايش هذه التعددية، التي هي علة الوجود، وسرّ التسابق في عمران هذا الوجود.

مقالات ذات صلة