الرأي

بوسة في الخمسينية!

قادة بن عمار
  • 6186
  • 19

قبل مشاهدة الصورة الصادمة لأحد الجزائريين وهو يُقبّل يد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، كنا نطالب فرنسا بالاعتذار، لكن اليوم، وبعد حادثة القبلة “على وزن حادثة المروحة” نطالب السلطة بالاعتذار، بل وبمحاسبتها لأنها حوّلت بعض الشعب إلى خانع ذليل، يقبّل يد مستعمره السابق، وهو فرح مسرور!

البيان المشترك الذي أصدره عدد من السياسيين ورؤساء الأحزاب يطالبون فيه رئيس فرنسا بالاعتذار والاعتراف بجرائم المستعمر، هو بيان وضعته “أقلية سياسية منبوذة في بلدها” بدليل نتيجتها الفاضحة في الانتخابات، وعجزها عن تحقيق التغيير أو إقناع الشعب بتوفر البديل، علما أن هذا ليس معناه بأن الجالسين على سدّة الحكم يمثلون الأغلبية، أو جاؤوا واستمروا في السلطة بإرادة شعبية، لكن هذه الأغلبية فضّلت الصمت كالعادة، وبقيت منزوية معزولة مكتوفة الأيادي في بيوتها يوم الاحتفال الشعبي بمجيء هولاند، جلست في الظلّ على غرار أيام الانتخابات ذات المراكز الفارغة والصناديق المهجورة!

لو أجرت السفارة الفرنسية في الجزائر تحقيقا استباقيا لحساب رئيسها في باريس، حول هوية الموقعين على بيان المطالبة بالاعتذار، ومدى شعبيتهم شبه المنعدمة في الشارع الجزائري، لأرسلت إشارة واضحة مضمونها: آن لفرنسا أن ترتاح ولهولاند أن يمدّ رجليه!

النواب ومعهم رئيس البرلمان ناقص الشرعية -على حق- حين قرروا أن يريحوا الضيف الفرنسي من سماع النشيد الوطني الجزائري، وتحديدا فقرة “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب” لأن وقت التبواس حلّ محله، وجاء اليوم الذي يرفع فيه الجزائريون أعلام المستعمر القديم في الشارع ويهرولون لتقبيل يده، برعاية سامية من فخامة الرئيس المقبل على عهدة رابعة!

كان على أبناء فرنسا في أجهزة الدولة، أن يراعوا كل الرعاية ويحرصوا شديد الحرص على ضمان نجاح زيارة رئيسهم الذي يحملون جنسية بلاده، ويشهرون جوازات سفره في المطارات، وليس جواز السفر الجزائري، بل ويبعثون أبناءهم للدراسة هناك، ويقتلون أطفال الجزائر في الأقسام الباردة هنا، يعالجون في باريس وفال دو غراس، وتنهش القطط جثث الرضع في مستشفياتنا، يقضون ليلة رأس السنة في الإليزيه، ثم يطلقون الرصاصة الأولى كذبا ونفاقا وبهتانا للاحتفال بذكرى ليلة الفاتح نوفمبر بمقابر الشهداء هنا؟!

بعض الشعب خرج للمطالبة بالفيزا، والبعض الآخر خرج لتقبيل الأيادي ومنح الرئيس الفرنسي بوسة الخمسينية، في حين ما تزال الأغلبية الشريفة مقهورة في البلاد منذ الاستقلال الناقص وحتى اليوم، شبعت عذابا وتسيبا وقهرا وفساد واستبدادا من طرف ذوي القربى، بدرجات أشد وأمرّ من ظلم المستعمر بالأمس القريب!

مقالات ذات صلة