الجزائر
عزوف عن التبرّع خلال كورونا

بنوك الدم في المستشفيات تحتضر.. والحاجة تتزايد

مريم زكري
  • 1414
  • 0

فوجئت سيدة أربعينية بعد إخبارها من قبل طبيب بمستشفى عمومي وسط العاصمة، أن ابنها “سعيد” ذا الـ 10 سنوات يحتضر، بسبب نزيف حاد تعرّض له إثر سقوطه أثناء اللعب مع أصدقائه بالحي الذي يقطن به، وأن إصابته بليغة وتتطلب نقل كمية من الدم قبل إجراء عملية جراحية مستعجلة قد تنقذ حياته أو تُنهيها للأبد..

عزوف غير مسبوق للتبرّع خلال كورونا والحاجة تتزايد

لحظات فقدت خلالها الأم الأمل بأن يعيش فلذة كبدها ويترعرع في أحضانها مجددا، وهي تعتقد أن إيجاد متبرع لابنها في وقت قياسي ضرب من الخيال، خاصة وأن كل ثانية تمر تعجّل بموت طفلها.

مختصون يقترحون استحداث خزينة احتياطية وسجل بأصحاب الزمر النادرة

إدارة المستشفى أبلغتها عن نقص حاد في أكياس الدم خلال الأشهر الأخيرة، خاصة فصيلة دم المريض التي تُصنّف ضمن خانة “نادرة”، لم تجد الأم حلا سوى البحث بنفسها عن متبرّع لإنقاذ حياة ابنها، وبفضل حملة أطلقها محسنون وشبّان متطوّعون بالحي الذي يقطن فيه، عُثر أخيرا على متبرع كان سببا في عودة “الطفل سعيد” إلى والدته ومدرسته.

حملات “إلكترونية” للبحث عن “متبرعين”

سعيد هو حالة من بين الآلاف الذين يبحثون يوميا عن قطرة دم لإنقاذ حياتهم، حيث تشهد معظم المستشفيات والمراكز الصحية بالجزائر أزمة خانقة في مخزون الدم، بسبب نقص أكياس المتبرّعين، وبدرجة أكبر المتعلقة بالفصائل النادرة، فالعمليات التي تقوم بها الفيدرالية الوطنية للدم والجمعيات والمجتمع المدني، لا تكفي لتغطية الاحتياجات اليومية بالمراكز الاستشفائية وأقسام الاستعجالات، خاصة خلال فترة كورونا التي شهدت عزوفا كبيرا للمتبرعين خوفا من التقاط الفيروس بالمستشفيات.

آلاف المرضى في خطر والفايسبوك تحوّل إلى فرصة نجاة لإنقاذ الحالات الحرجة

ويضطر أغلب أهالي المرضى إلى نشر بلاغات الاحتياج، عبر المواقع الإلكترونية، وهي المسيّر الأول للعملية، في حال عجزت بنوك الدم عن ضمان متبرع للمريض، حيث تحوّل البحث عن كيس دم، إلى عملية “تكنولوجية”، إذ يلجأ أقارب المرضى إلى بث نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في رحلة ماراطونية للبحث عن أصحاب الفصائل المشابهة، والتي يصعب الحصول عليها إلا بشق الأنفس، في حين قد يتسبب العجز في إيجاد متبرّع في وفاة المريض.

إنقاذ حياة مريض، هو ما تسعى إليه حاليا بعض الجمعيات الناشطة في المجال الخيري والتضامن، من خلال تنظيم حملات مكثفة ودورية بالتنسيق مع الوكالات الخاصة بالدم والمراكز الصحية عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لحشد المتبرعين، حيث أطلقت عدة جمعيات والمجموعات التطوعية عبر مختلف ولايات الوطن حملات في إطار برامجها الخاصة عبر “الفايسبوك”، من أجل توعية المواطنين بضرورة التبرع بالدم، وتهدف تلك الحملات إلى تحقيق اكتفاء ذاتي لبنك الدم الخاص بالمستشفيات، وإنقاذ الحالات الحرجة التي تتواجد على مستوى غرف العمليات والعناية المركزة، بعد ارتفاع عدد النداءات المستعجلة التي يتداولها رواد الموقع الأزرق يوميا.

مواطنون يمتنعون عن التبرع خوفا من “المتاجرة” بدمهم!

من جهته كشف مسؤول مكتب الجمعية الوطنية “أسعى للخير” بالكاليتوس شرق العاصمة، مزني بشير، أن عدد المتبرعين بالدم، في تراجع مستمر، وهو ما أثر سلبا على احتياطي بنوك الدم في المستشفيات وخلّف نقصا حادا في عدد أكياس الدم، وأرجع المتحدث ذلك إلى تخوف المواطنين من عدم استغلال الدم المتبرع به في إطاره الإنساني، مشيرا إلى أنّ البعض يعتقد بأنّ دماءه تستغل في “المتاجرة” بها في سوق سوداء ويعاد بيعها للمرضى. وهي أفكار خاطئة، جعلتهم يتخوفون ويحجمون عن التبرع.

وقال محدّثنا إن الجمعية كانت تنشط عبر برنامج خاص قبل سنتين، من أجل التوعية وتنظيم حملات التبرع بالدم كل 15 أو 20 يوما، على مستوى ساحات بوسط العاصمة منها ساحة أول ماي والبريد المركزي، من خلال توفير حافلات خاصة ومجهزة بمعدات طبية لاستقبال المتبرعين، أين يتم جمع ما يقارب 250 إلى 300 كيس خلال يوم واحد تُوجّه إلى المراكز الصحية والمستشفيات، قبل أن يتوقف نشاط الجمعية مؤخرا في مجال حملات التبرع، بسبب انتشار وباء كورونا.

ويضيف المتحدّث أنّ الجمعية تحوّلت للعمل كوسيط لجمع الدم، أين يتم وضع سجل خاص يتضمن أرقام وعناوين المتبرعين، ثم يوجّه أهل المريض مباشرة بعد تلقي النداء، من أجل الاتصال بالمتبرع والتنسيق، في ما بينهم حول العملية داخل المستشفى، خاصة الحالات المستعجلة.

كوفيد 19 تسبّب في تراجع عدد المتبرعين

ويقول رئيس الفدرالية الوطنية للتبرع بالدم غربي قدور، أن عدد المتبرعين بالدم، تراجع بشكل ملفت خلال الفترة الأخيرة، وذلك بسبب انتشار وباء”كوفيد 19″ ومنع عمليات جمع أكياس الدم من قبل وزارة الصحة، في إطار الإجراءات الاحترازية المتخذة ضد الوباء.

وصرح المتحدث بأن تواجد مراكز حقن الدم داخل المستشفيات عرقل تنظيم حملات التوعية لجمع المتبرعين، مطالبا بتحويل مقراتها إلى خارج المستشفى واستقلالها إداريا حتى يسهل على المواطن التقرب إليها.

وبالمقابل، وجّه غربي نداء لضرورة ترسيخ ثقافة التبرع لدى كل مواطن يتمتع بصحة جيدة وتتراوح سنه ما بين 18 و65 سنة، بمقدار مرّتين إلى أربع مرّات خلال السنة.

كما وصف غربي عملية التبرع بالدم، بـ”المفيدة” قائلا أن المتبرع يستفيد من تحليل طبي مجاني وبطاقة خاصة بزمرته، إلى جانب ذلك يكون خضوعه للتحليل سببا في الكشف عن عدة أمراض يعاني منها دون أن يعلم ذلك، ويتدارك الأمر قبل فوات الأوان والعلاج حتى وإن كان المرض مستعصيا في بعض الأحيان، وهو ما حدث للعديد من المتبرعين بعدما اكتشفوا صدفة معاناتهم من أمراض مختلفة أثناء توجههم لمراكز حقن الدم.

إلى جانب ذلك، يضيف المتحدث أن مساهمة المتبرع في إنقاذ حياة عشرات المرضى وضحايا الحوادث، فضلا عن مضمونها الإنساني فهي تعدّ صدقة جارية.

كواش: استحداث خزينة احتياطية للدم بالمستشفيات تدعم الحملات المكثفة”

وفي السياق، يكشف محمد كواش، مختص في الصحة العمومية، عن وجود نقص فادح في أكياس الدم داخل المستشفيات، قائلا أن بنوك الدم أصبحت فقيرة، الأمر الذي عقّد وضعية آلاف المرضى، وذلك بسبب تراجع عدد المتبرعين على مستوى مراكز حقن الدم، وكذا غياب حملات التوعية اللازمة عبر وسائل الإعلام، إذ أصبح التبرع يقتصر على محيط العائلة والأصدقاء فقط.

ويضيف كوّاش أنّ التراجع في عدد المتبرعين وعزوفهم قد يدفع السلطات مستقبلا إلى استيراد الدم من الخارج، وهو أمر صعب حاليا على حد قوله خاصة مع انتشار الأوبئة والحروب في العالم مشيرا إلى مخلفات الحرب”الروسية_الأوكرانية” قائلا،: إن الأمر ازداد سوء مؤخرا إذ سجلت مصالح الحماية المدنية أرقاما مرتفعة لعدد الجرحى المصابين خلال حوادث المرور مع بداية فصل الصيف، حيث تضع مصالح الاستعجالات الجراحية بالمستشفيات العمومية في موقف حرج وقد يحتاج الجريح إلى كمية كبيرة من الدم، إلى جانب أمراض أخرى كعمليات النخاع الشوكي وسرطان الدم وعمليات الولادة القيصرية.

واقترح المتحدث إنشاء خزينة احتياطية للدم بالمستشفيات، تدعم من خلال الحملات المكثفة بالمدارس والمساجد ومراكز الاصطياف والشواطئ، وكذا ترسيخ ثقافة التبرع بالدم كأسلوب حضاري في المجتمعات المتقدمة، ونشر روح التضامن النفسي، واستحداث سجل خاص بالمستشفيات بأسماء المتبرعين من أصحاب الزمر النادرة لطلب عونهم وقت الحاجة.

وفي النهاية، يظل التبرّع بالدم عمل إنساني نبيل، فقطرة واحدة من دمنا قادرة على إنقاذ حياة مريض وإنهاء معاناة أسرة ورسم البسمة في وجوه أُناس فقدت الأمل في الحياة.

مقالات ذات صلة