الجزائر
لها أصول عربية وإسلامية وفي أوروبا مخصصة للجامعيين فقط

بذلة التخرج تغزو المدارس وتتحول إلى عادة وتجارة رائجة

سمير مخربش
  • 568
  • 0
أرشيف

تحولت بذلة التخرج إلى موضة رائجة وسط التلاميذ، وبدأت تحقق انتشارا واسعا في الوسط المدرسي، في صورة جديدة اقتحمت الابتدائيات، واستغلها البعض كورقة تجارية تضاف إلى مصاريف الأولياء الذين وجدوا أنفسهم مرغمين لتبني هذه العادة التي يعتبرها البعض بدعة غربية ولا طائل منها، رغم جذورها العربية الإسلامية.
هذا اللباس المشهور بلونيه الأسود والأحمر، وقبعته المربعة، كان بالأمس يقتصر على خريجي الجامعات الذين يرتدونه في حفلات التخرج تعبيرا عن النجاح وانتهاء المرحلة الجامعية. وارتداء هذا الزي يعتبر حدثا هاما في حياة كل طالب علم، وعليه أن يسجله ويحتفظ به كذكرى لا تنسى.
واليوم العادة انتقلت إلى المؤسسات الابتدائية، أين سجلت البدلة حضورها في اليوم الأخير من نهاية المرحلة الابتدائية، حيث ودّع التلاميذ مدارسهم بالزي الأسود والأحمر، والقبعة المربعة التي زينت رؤوس التلاميذ، في العديد من المؤسسات، وهو تقليد جديد انتشر بشكل واسع، من دون قرار من الوصاية، بل بدأ بمبادرة من المعلمين، وتوسعت لتعم مختلف المدارس، وهي اليوم بمثابة الصورة النمطية الجديدة لاحتفالات نهاية السنة في المدارس الابتدائية.
وقد بدأ الحديث عن بذلة التخرج بطلب من المعلمين الذين ألحوا على التلاميذ لإحضار البذلة بغية إعطاء وجه مميز لاحتفالية التخرج في المدرسة الابتدائية. هذا الطلب تفاعل معه الأولياء بشكل واسع، واندمجوا مع الفكرة وانخرطوا على الفور في رحلة البحث عن البذلة التي لا تباع في محلات بيع الملابس المعتادة، بل لها أهلها من الباعة والخياطات والخياطين الذين وجدوا ضالتهم مع تجارة جديدة رائجة، وهي في الحقيقة مشروع استثماري له جمهوره الواسع.

اندماج واسع للأولياء مع القبعة المربعة
وبالنسبة للأولياء، فإن الأمر كان مفاجئا لدى البعض، في حين لقي ترحابا لدى البعض الآخر. وفي الحالتين الامتثال للأمر شمل الغالبية الساحقة التي ركبت الموجة، وتداولت قصة البذلة المفقودة في بعض المناطق، تحت عنوان: “ابني لا يجب أن يختلف عن الآخرين”.
وحسب السيدة سليمة من سطيف، فإن البذلة الجديدة دخلت قائمة مستلزمات التلاميذ، وكان علينا البحث عنها في كل مكان، وقد تم العثور عليها في محلات اختصت في هذا الشأن، والأمر تقول محدثتنا أفرحنا كثيرا، لأنه أظهر أبناءنا في زي مميز، يعكس التتويج والشعور بالفخر. وأما بالنسبة لولية أخرى التقيناها بالقرب من الابتدائية، فالأمر كان شاقا بالنسبة إليها، فقد بذلت جهودا كبيرة للحصول على البذلة، وكان عليها حجزها مسبقا، وهي ترى بأنها عبء جديد أضيف للأولياء الذين تعبوا طيلة السنة الدراسية، فكان عليهم متابعة أبنائهم في الدراسة مع توفير الأدوات الضرورية واللمجة اليومية، ومرافقتهم في تحضير الامتحانات ومشاركتهم المراجعة ليضاف اليوم شأن جديد يتعلق ببذلة التخرج، التي لم يكن لها وجود في السابق وجاءت اليوم لتزيد في أعباء الأولياء. وتقول أم لؤي بالرغم أن الأمر مكلف في الجهد والمال، إلا أنه لا يمكنني ترك ابني بدون هذه البذلة ويتحول الى أضحوكة وسط زملائه، ولذلك تقول محدثتنا كلفت نفسي وأحضرتها له وقد بدا في زي جذاب، وأعجبتني الصورة وهو يتوسط أصدقاءه.
ومن خلال احتكاكنا بالأولياء، هناك انقسام بين مؤيد ومعارض للفكرة، وفي ذهنية المؤيدين إعجاب وفخر وفرحة، وللمعارضين نظرة تتعلق بالتكلف والمصاريف الزائدة. وبين هؤلاء وأولئك تبزغ صورة ذلك التلميذ الذي جاء بلباسه المعتاد، لأن أولياءه لم يوفروا له البذلة، فدخل المدرسة بخطى متثاقلة وعليه علامات الحزن، وعندما استعد التلاميذ لأخذ صورة تذكارية ببذلات التخرج توارى عن الأنظار وتابع المشهد عن جنب. وهناك تلميذة غابت عن حفل التخرج، لأنها لا تملك البذلة المبتدعة، وهو الأمر الذي أثار قضية الفروقات بين التلاميذ الذين وحدتهم المآزر الزرقاء والوردية بالأمس، وفرقتهم اليوم بذلات التخرج.

الخياطات في مقدمة مستغلي الفرصة
وبالنسبة للجانب التجاري لهذه العادة الجديدة، فالرابح الأكبر في العملية هم باعة ومؤجري هذا اللباس الذي تحول في رمشة عين إلى تجارة رائجة، فهناك محلات اختصت في هذا الشأن وأخرى كانت تروج في السابق البذلات المخصصة لخريجي الجامعات فوسعوا نشاطهم اليوم إلى خريحي المدارس والابتدائيات.
وبالطبع، دخل الخياطون والخياطات على الخط وركبوا موجة تحقيق الربح من بدعة ظهرت في المدارس. وحسب ما علمناه من أصحاب الحرفة فهناك إقبال كبير على البذلة الساحرة، وهنا تقول الخياطة منى من سطيف، أنها جمّدت نشاطها المعتاد، وعلقت خياطة الملابس، لتتفرغ لخياطة بذلة التخرج الموجهة للأطفال، لأنها تعرف إقبالا كبيرا، ولا يمكن تضييع الفرصة تقول محدثتنا التي تتعامل مع محلات خاصة أو مع الأولياء مباشرة. وبالنسبة للسعر فإنه يتراوح بين 2500 دج، و3000دج للبذلة، وبما أن استعمالها يكون ليوم واحد فقط، ثم يتم الاستغناء عنها، فالأغلبية تفضل كراءها وذلك بسعر يتراوح بين 500 دج و700 دج لليوم الواحد.
وبما أن الإقبال كبير، فقد لاحظنا طوابير أمام المحلات المروجة لهذا المنتج، وهناك من حجز البذلة منذ أكثر من شهر لضمان الحصول عليها، بل هناك خياطة وصلت الليل بالنهار وهي تُشغل ماكنتها لتوفير هذه البذلة ذات الحجم الصغير والجمهور الكبير، الذي نستثني منه من يريد لهذه العادة التوقف الآن قبل غد.

زي التخرج.. من علماء الأندلس إلى تلاميذ الجزائر
هذا اللباس له تاريخه وجذوره، والكثيرون يعتقدون أنه من العادات الغربية المعمول بها، خاصة في أمريكا وأوروبا، وتترسخ هذه الفكرة من خلال ما تظهره الأفلام الأمريكية والأوروبية، لكن في حقيقة الأمر هذا اللباس له أصول إسلامية عربية، وظهر لأول مرة في الأندلس التي اشتهرت بالعلم والعلماء والمعاهد والجامعات. واللباس مستوحى من العباءة العربية، وأما القبعة المربعة فقد صممت في هذا الشكل كي يوضع فوقها المصحف الشريف. وبالتالي يؤكد المؤرخون أن العلماء المسلمين هم أول من استعمل لباس التخرج، الذي كان عادة عربية إسلامية أندلسية.
وحسب المؤرخ حسن حلاق فإن: “فكرة ثوب التخرج التي يزال معمولا بها منذ مئات السنين، هي فكرة عربية إسلامية أندلسية، انتقلت من الأندلس إلى المغرب العربي، ثم إلى المشرق العربي، حتى وصلت نتيجة التفاعل الحضاري والعلمي إلى مدن وبلدات ومعاهد وجامعات أوروبية”.
ومن جهة أخرى، يقول الباحث والمؤرخ جاك غودي وهو أستاذ في الانتربولوجيا الاجتماعية بجامعة كامبريدج، في كتابه “الاسلام في أوروبا” أن “الطلاب الأوروبيين الذي كانوا ينهلون من علوم الجامعات التي أسسها المسلمون، يعودون إلى بلدانهم وهم يلبسون العباءة العربية، كإشعار أن من يرتدي هذا اللباس قد تخرج من جامعات المسلمين”، ويضيف: “اللباس العربي أضحى علامة للوجاهة العلمية حتى اليوم، لاسيما في المناسبات العلمية، كمناقشة الرسائل الجامعية، وحفلات التخرج”.
ولذلك يخطئ الذين ينتقدون هذه العادة، ويعتبرونها تقليدا للغرب، لأن جذورها عربية وإسلامية، وقد عادت إلى أصلها عبر طلبة الجامعات في الجزائر، واليوم امتدت إلى الأطفال، وأضحت جزءا من العادات والمناسبات التي دخلت أجندة التلاميذ والأولياء.

مقالات ذات صلة