جواهر

بحث في فائدة معتصمة!

سمية سعادة
  • 5032
  • 17

شدني منظر التلاميذ في ساحة الإعتصام ب”بودواو”وهم يشهرون هتافاتهم المدوية نصرة للأساتذة المتعاقدين الذين لم تنحن سنابلهم رغم الداء والأعداء، ورغم “تطنيش”وزارة التربية لمطالبهم المشروعة، وتمنيت لو كنت صيحة في حناجر هؤلاء التلاميذ أطعن بها كل متواطئ ومتآمر على أساتذة تساقطت أوراق أعمارهم على أرصفة وطرقات التعليم دون أن ينالوا حقهم الذي”هرموا” وهم ينتظرونه.

ومن شدة غيظي على حالهم وتضامني معهم، تخيلت نفسي في مكان إحدى المعلمات المعتصمات في بودواو، تخيلت نفسي وقد افترشت الرصيف رفقة زميلاتي والتحفت قطعة بلاستيك كبيرة بدأت زخات المطر تتساقط عليها تباعا محدثة صوتا يستفز الأعصاب، ثم ما لبثت أن اخترقتها فشعرنا بلسعاتها على أجسادنا ولم يكن في مقدورنا أن نفعل شيئا سوى أن نتكور على أنفسنا ونحن نستمع لأسناننا وهي تصطك من البرد، في تلك الأثناء، لم تكن لكل واحدة منا أمنية أكثر من أن تتوقف الأمطار ويعم الدفء في تلك الخيمة البلاستيكية المثقوبة، وكادت سفينة عزيمتنا أن تغرق، لولا أن إحدى الزميلات ذكّرتنا أن التضحيات التي قدمناها خلال الأيام الماضية، يجب أن لا تنال منها حبات مطر بريئة كانت ستنبت الزرع، وتنظف الشوارع المتسخة، لولا أن المسؤولين أجبرونا على أن نكون في المكان غير المناسب.

 تطايرت شظايا قلقي الذي سمعته ينكسر في داخلي بعد هذا الكلام، وهدأت نفسي، واستعدت حيويتي وعزيمتي، خاصة عندما مرّ في ذهني شريط السنوات الستة عشر التي قضيتها مدّرسة في إحدى المؤسسات التربوية، أكثر من عشرة عقود أمضيتها متنقلة بين الأقسام أستنشق غبار الطباشير الذي بدأ يتراكم في رئتي وصرت أسمع صوته سعالا وحشرجة، وليس يفصلني عن العقدين إلا أربع سنوات لأكون قد طفت على كل مؤسسات الولاية وصرت وجها معروفا بين الطلبة والأساتذة والمديرين، وكم تبدو خطواتي أقرب إلى الجنون وأنا أستنطق الطلبة عن الشخص الذي نزع البراغي من السبورة التي سقطت من مكانها، والطالب الذي رماني بورقة ملفوفة ب”الشمة” وأنا أكتب الدرس، والذي سكب الغراء على الكرسي الذي أجلس عليه، والطالبة التي أنشأت حسابا باسمي في الفيسبوك ونشرت فيها سخافات لا تليق بمدرّسة تقطع يوميا عشرات الكيلومترات لتنشر العلم والمعرفة، كل ذلك مقابل أجر زهيد أصرفه بين وسائل النقل والسندويتشات المحشوة بالصراصير والذباب، وبين أدوية الضغط والأعصاب والربو.

شعرت بالأسى على هذه المعلمة التي تخيلتها، وتذوقت طعم معاناتها حتى شعرت بمرارتها في حلقي، لذلك قررت أن أبحث عنها في معتصمها، وأعبّر لها عن مدى تضامني معها، ليس بالكلام وحسب،  بل أفترش الرصيف معها وألتحف قطعة البلاستيك المثقوبة مثلها وأنادي بمطالبها.

مقالات ذات صلة