الرأي

بايدن وترامب.. توم وجيري

كل من تابع المناظرة التي وُصفت بـ”التاريخية”، بين المترشحين لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وجزء كبير من العالم، جو بايدن ودونالد ترامب، أيقن بسهولة بأن ما شاهده في أفلام “الكاوبوي” و”الأكشن” و”ديزني شانل” وحتى “توم وجيري”، في سبق افتراضي قديم، يعيشه قادة الولايات المتحدة الأمريكية، وينسج واقعهم وواقع من يحيط بهم.

الرجلان الكبيران جدا، في السن فقط، فأحدهما تجاوز الثمانين والآخر على حافتها، تبادلا كمّا من السباب لم نشاهده حتى في الفيلم الأمريكي الشهير “الطيب والشرس والقبيح”، فقد قال الرئيس الحالي عن الرئيس السابق، بأنه “أحمق وفاشل وكذاب ومُدان”، وقال الرئيس السابق عن الرئيس الحالي، بأنه “مدمّر أمريكا وقاتل السود وهو السبب في الاندلاع الوشيك للحرب العالمية الثالثة”، ولم يتفق الرجلان سوى في الولاء التام للكيان الإسرائيلي، عندما قال بايدن بأنه أنقذ إسرائيل، وكان الحليف الأكبر لها، ومستعدّ لمواصلة دعمها، وقال ترامب بأنه يتوجب على أمريكا تلبية كل طلبات “إسرائيل” حتى ولو واصلت الحرب إلى ما لا نهاية.

عندما بعث الثنائي الفنان، ويليام حنة وجوزيف بارييرا، سلسلة الرسوم المتحركة “توم وجيري”، سنة 1940، كان السؤال الذي شغل النقاد ومتابعي السلسلة، التي مازال الملايين يتابعونها إلى حد الآن، هو سبب توافق الرجلين في منح الغلبة للفأر على الدوام، من حيث الذكاء والحيلة والرشاقة، ويضعان القط دائما في موقف محرج، ولم يمنحا ولا مرة الغلبة للقط “توم”، بالرغم من أن منتجي السلسلة، أحدهما من عائلة أرستقراطية إيرلندية الأصول، والثاني من عائلة فقيرة من صقلية الإيطالية، فكانا ينفثان تناقضهما في السلسلة الكارتونية، ولكنهما يتفقان دائما على نصرة الفأر “جيري”، حتى ولو تجمّعت القطط المتشردة والأليفة لنصرة المهزوم على الدوام “توم”، تماما كما هو حال بايدن وترامب في نصرة الكيان.

نشعر دائما بأن أفلام أمريكا الهوليودية ومسلسلاتها البوليسية، ورسومها المتحركة، إنما كانت خارطة طريق متّعت بها بعض العالم على مدار عقود، وهي تحاول الآن أن تجبرهم على عيشها، بعد أن تقدّم تحسينات هي في الحقيقة تشويهات، كأن تنزع الرائعة الموسيقية لفيلم “الطيب والشرس والقبيح” التي أبدعها الموسيقار الإيطالي “إينيو موريكوني” من الفيلم، واللمسة الطفولية المرحة من سلسلة “توم وجيري”، حتى تبقى هذه الأعمال تميز الأداء المقدّم من رئيس سابق ورئيس حالي، ومشروع رئيس لاحق، قد يكون أسوأ منهما، كما اتفق على ذلك بايدن وترامب.

وأنت تتابع مناظرة “الكاوبوي والرسوم المتحركة” بين بايدن وترامب، لا بدّ وأن يمرّ شريط من ذاكرة ما قرأته وشاهدته عن “روزفلت وترومان وإيزنهاور وكينيدي وجونسن ونيكسن”، ولا تكاد تصدق بأن هذا الحاضر من ذاك الماضي، ولكنّك ستعود وتقول إن ما كرّره الصهاينة منذ أن جرفهم “طوفان الأقصى”، بأن حربهم الحالية وجودية، يكونون بعدها أو لن يكونوا أبدا، إنما تنطبق على كل حلفائهم، ومنهم أمريكا التي قدّمت للعالم مناظرة جعلت آخر من يحسن الظن بهم، يبتعد عنهم ويسيء الظن بهم، كما قالها ترامب بعظمة لسانه.

مقالات ذات صلة