الرأي

بانتوتيلا خَلَفُ الزّاوي

د محمد مراح
  • 1233
  • 0

لفَتَ مقالُ آلان بنتوتيلا “لماذا أخطأت الجزائر باستبدال الفرنسية بلغة الله” المنشور في مجلة “لوبوان” يوم 19 جوان الماضي، انتباها إعلاميا وثقافيا في الجزائر وخارجها، ويبدو أن موقع “روسيا اليوم” كان أفضل من عرض تلخيصا مفيدا للمقال،. وقد شرحه الأستاذ الفاضل لمباركية نوار بالحجج والبراهين والتبكيت الشديد لصاحبه الذي اصطحب سخافة وتهافت المسألة في ركاب الأكاديمية.

فكرة المقال الرئيسة كما ورد بها مقاله: “إنني لو كنت وزيرا للتربية والتعليم في الجزائر في فجر استقلالها، لكنت قررت دون أدنى تردد أن تصبح اللغة العربية لغة التعليم والإدارة في البلاد، كانتقام عادل من التاريخ الاستعماري، كنت سأختار الدارجة الجزائرية لغةً لتعليم الشعب، وليس اللغة العربية الفصحى، أي لغة القرآن!”.

التحليل مؤطرٌ فيما خلاصته – كما نقلها موقع روسيا اليوم – أنه يجعل الفرد “يختار تصوُّرا للقراءة وتعلّمها” ما يحرم القارئ من حقه الأساسي في الفهم والتفسير، و”باختصار حقه في القراءة، فالمظهر الديني والعروبة وقّع على إفلاس المدرسة الجزائرية، مع نتيجتين كارثيتين، الأولى كانت دفع الطلاب الذين يتحدثون اللهجة العربية فقط أو البربرية إلى مدرسة استقبلتهم باللغة العربية الكلاسيكية (الفصحى) التي لم يكن أيٌّ منهم يفهمها” حسب اعتقاده، “أما النتيجة الثانية فكانت أكثر خطورة”، بحسب ما يزعم اللغوي الفرنسي، إذ اعتبر “اختيار لغة القرآن” يجعل الفرد “يختار تصوُّرا للقراءة وتعلُّمها” ما يحرم القارئ من حقه الأساسي في الفهم والتفسير، و”باختصار حقه في القراءة” أ. ه.

إذن الفكرة سخيفة أبعد ما تكون عن بديهيات الحديث العلمي فضلا عن موضوعيته، قد “يشفع لها” أنها انتقام سياسي أشعله “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.. ” في ثوب أكاديمي، في زمن “التفاهة” الذي وسم آلان دونول الزمن السياسي الحالي في كتابه “نظام التفاهة” الذي ترجمته للعربية الدكتورة مشاعل عبد العزيز الهاجري أستاذة القانون الخاص بجامعة الكويت، وقدمت له بمقدمة رصينة ثرية المعرفة والتحليل، ضافية ما ينيف عن 65 صفحة. كان لرؤساء فرنسيين حظ وافر من تمثيلهم العصر السياسي هذا أفضل تمثيل.

لكن الأمر سيكون مفاجئا صادما لـــبنتوتيلا حين يكتشف نفسه أنه لا يعدو أن يكون سوى خلفٍ لسلف “كبير ” قاربَ قبله الأمرَ على قدر مقامات “الأباء المؤسسين” للأفكار الكبيرة، هو الروائي الجزائري الزاوي أمين.

لكن قبل ذلك أشير إلى إنجازي بحثا تحليليا تتبعت فيه خطاب الزاوي عبر ما ينيف عن مائة مقال جُلها في موقع “انديبندينت عربية”- لندن. البحث الآن كتاب مخطوط عنوانه “خِطَابُ أمينِ الزاوي: الكراهيةُ والإِزْدِرَاءُ قَارِبَاهُ، والافْتِرَاءَاتُ مَجَادِيفُه”؛ لأنه مستنقعٌ كبير لخطاب الكراهية في أحطّ صورها. مادة هذا الخطاب الافتراء والتضليل، وخواء فكري وضحالة معرفية شرشر كراهيته عبر : العقيدة والشريعة والتاريخ الإسلامي والتاريخ الوطني، والتريية والتعليم واللغة العربية، والسلوك الاجتماعي المتدين، والعرب والعروبة، مع الترويج لمشروع “تمازغة الكبرى” الذي هو محل توجُّس وريبة في منطقة المغرب العربي.

سيقرأ بنتوتيلا لشيخه الصورة الآتية الذِّكر للمدرسة الجزائرية: “إن المجتمع الجزائري، شأنه شأن المجتمعات العربية والمغاربية، لم يتم تطعيمه بأيديولوجيا التعصب والإسلاموية من طريق الأحزاب السياسية، فتلك أثرها محدود جدًّا، وإنما تم ذلك أساسا وبشكل عميق من طريق البرامج المدرسية المتطرفة والمعمّمة، فأمام ما تقوم به المدرسة من تشويه للعقول يبدو عمل الأحزاب السياسية الإسلامية على اختلافها شكليّا وبدائيّا … إن المدرسة الجزائرية… تشبه من حيث هيكلتها إلى حد ما، النظام الأيديولوجي الذي قامت عليه النازية”!

وسينتفض مشدوها بـ”جسارة” شيخه الزاوي أمين الذي نادى إلى: “أن نحرر التلميذ من… الذين عوضوا دروس الفيزياء بدروس الدعوة الدينية، وعوضوا دروس الرياضيات بدروس غسل الميّت، وأرسلوا تلاميذنا إلى المقابر ليتعلموا طرق دفن الميت بدلاً من دروس الموسيقى والفن التشكيلي والرياضة”.

إذن سيبدو كلام بنتوتيلا محروسا بأسوار الأكاديمية المحترمة، إذا ما قاسه بكلام الزاوي المتجنّي.

أما عن السبق المقابل لفكرة بنتوتيلا فنجده في النصح الثمين الذي وجَّهه الزاوي أمين للحكومة الفرنسية عام 2018 حين دار في الأوساط التربوية والسياسية، نقاشٌ حول “تدريس اللغة العربية” في المدارس الابتدائية والثانوية الفرنسية، فعاجلهم الزاوي بتقييم واقتراح المُضَرِّسِين: “قد يكون أخطر نقاش تعرفه الساحة التربوية والسياسية الفرنسية منذ الحرب العالمية الثانية، جاء هذا النقاش المثير حول مسألة تدريس اللغة العربية لذوي الأصول المغاربية في المرحلة الابتدائية في المدارس الفرنسية لمواجهة التطرف الديني والسلفية الفكرية المعششة في المدارس القرآنية”؟!.

يقول أمين الزاوي: “إن المجتمع الجزائري، شأنه شأن المجتمعات العربية والمغاربية، لم يتم تطعيمه بأيديولوجيا التعصب والإسلاموية من طريق الأحزاب السياسية، فتلك أثرها محدود جدًّا، وإنما تم ذلك أساسا وبشكل عميق من طريق البرامج المدرسية المتطرفة والمعمّمة، فأمام ما تقوم به المدرسة من تشويه للعقول يبدو عمل الأحزاب السياسية الإسلامية على اختلافها شكليّا وبدائيّا… إن المدرسة الجزائرية… تشبه من حيث هيكلتها إلى حد ما، النظام الأيديولوجي الذي قامت عليه النازية”!

ألا تعلمون “أن تدريس هذه اللغة هو تكريسٌ لفكر الإسلاموية في الجيل الجديد، لأن العربية في مخيال المغاربي والعربي تظل لغة الجنة ولغة الله، وبالتالي فتدريسُها هو نفَسٌ جديد لتطعيم المخيال الإسلاموي مع الجيل الجديد من أبناء الجالية العربية والمغاربية في أوروبا”.

إذن “النصح الثمين” : “لا يجب “المغامرة بتدريسهم اللغة العربية وإنما يجب الحرص على تعليمهم اللغة الفرنسية تعليما جيّدا وصحيحا وتعميم ثقافة اللائكية والديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام المرأة والدفاع عن قيم المواطنة، بمثل هذا التوجه يمكن أن يكون الاندماج بشكل طبيعي في بنية المجتمع الفرنسي الجديد والمتعدّد”!

“وإن كان لابد من لغة أصلية مرافِقة “لماذا لا يتم التفكير في تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس الابتدائية الفرنسية باعتبار أن الجالية المغاربية في عمومها تنزل من أصول بربرية وأن لغة الأم لديها هي اللغة الأمازيغية؟” وهي “اللغة، ورغم بعدها عن المخيال الديني، فإنها تساهم في هذا التصالح مع الجذور بشكل ثقافي وأنثروبولوجي بعيدا عن الإسلام السلفي المتطرِّف” الزاوي: “جدل حول تدريس اللغة العربية بفرنسا”، صحيفة العرب، لندن، 14. 10. 2018.

إذن الزاوي، حَوَّلَ خطاب الكراهية في شقه المتصل بالعربية لخدمة دولية عابرة للقارات، متلفعة بشبهة التعصب الإسلامي. مما يدعو لتركيز اهتماماتنا ومتابعاتنا ومراقباتنا إلى الصف الداخلي لأنه أخطر منافذ المخاطر الجيوسياسية التي هزت العالم العربي في العقد الأخير .

وقد يكون تفسيرُه الكسيح مؤخرا لقرار التدريس باللغة الإنجليزية سَاعَة جِدٍّ حاسم لاستخلاص الملاحظات الهامة لمستقبل الوطن واستقلاله في ضوء هذه التخرصات والتسورات لأسوار الوطنية وقيم الأمة؛ يقول أمين الزاوي: “في تصوُّري الخاص إن التهريج الأيديولوجي حول تدريس اللغة الإنجليزية في الجزائر هو تهريجٌ ليس المقصود منه “محاربة الفرنسية”، لغة المستعمِر كما يردد بعضهم، بل الغرض الأول منه قطع الطريق أمام تعميم تعليم اللغة الأمازيغية، فلن تخسر الفرنسية أي شيء في هذه المعركة الأيديولوجية البعيدة من كل مقاربة تربوية صادقة، إنما بقرار تدريس اللغة الإنجليزية بدءًا من السنة الثالثة ابتدائي أصبح من المستحيل الآن التفكير في تدريس لغة رابعة هي اللغة الأمازيغية التي من دون شك هي الضحية في هذه المعركة الأيديولوجية اللغوية”اندبيندنت عربية 8 سبتمبر 2022 هل نحن إزاء استنساخ جاهل لحسنى الأحمق المحامي الحزائري المقيم في فرنسا صاحب “الرسائل الجزائرية”، قدم فيها مرافعة ضد الإسلام زلفى وقربى من الآباء البيض {بن نبي؛ مذكرات شاهد القرن: ص231،232}.

يقينا أن هذا الموقع الصِّحافي المشبوه كما ذهب محللون كثيرون حين أنشئ، لا يغضُّ الطرف عن سيول افتراءات الزاوي – وقد راسلتُ مرات كثيرة رئيس التحرير في الأمر – وسطحية مكتوباته فيها، إكراما لفكر أو مكانة.

مقالات ذات صلة