الجزائر
هيئة الدفاع تطالب ببراءة جميع المتهمين.. ورئيس القطب يقرر:

النطق بالأحكام في فساد النقل البحري يوم 10 جوان

نوارة باشوش
  • 1004
  • 0

طوت محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي لسيدي أمحمد بالجزائر العاصمة، الخميس 30 ماي ملف فساد “النقل البحري” المتابع فيه المديرون السابقون لشركة “كنان” و32 متهما، بمنح المتهمين الكلمة الأخيرة، حيث طالب جميعهم بالإنصاف، وصرحوا بأنهم أبرياء، قبل أن يعلن رئيس القطب عن رفع الجلسة وإحالة القضية للمداولة للنطق بالأحكام بتاريخ 10 جوان، حيث كانت المشاهد الأخيرة من المحاكمة جد مؤثرة جعلت عائلات المتهمين تذرف دموعا أمام العبارات التي نطق بها ذووهم.
بعد غلق باب المرافعات، ووفقا للمادة 353 من قانون الإجراءات الجزائية حسب ما صرح به رئيس القطب الجزائي الاقتصادي والمالي الذي أكد أن القانون يكفل للمتهمين الإدلاء بكلمتهم الأخيرة، نادى على هؤلاء تباعا، حيث التقى جميعهم عند عبارة واحد “سيدي الرئيس، أنا بريء وأرجو منكم إنصافي والسماح لي بالعودة إلى أحضان عائلتي”.

“القرلّو” يجر الجميع إلى المحاكمة
وخلال مرافعة الدفاع، وصفت المحامية فاطمة بن براهم وقائع ملف الحال بـ”المهزلة الكبرى”، بعد أن تم حجز سفينة جزائرية بالخارج بسبب “القرلُّوا”، وقالت هي مجرد ذر غلرماد في العيون، بل مساس بسيادة الجزائر.
وقالت المحامية بن براهم خلال مرافعتها دفاعا عن موكلها الرئيس المدير العام السابق للشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال، المتهم “غ.س.العربي”: سيدي الرئيس، هذا المكان وهذه القاعة تشهد على محاكمات كبرى كانت تحترم فيها الإجراءات القانونية واليوم أصبحت تبتّ في قضية (القرلّو) الذي كان سببا في حجز سفينة من الأجانب… وهذا ما قاله الخبراء وهم ليس خبراء، بل مفتشو المالية، في تقريرهم الذي بدلا من أن يقوم بتنوير العدالة، قام بتضليلها”.
وخاطبت بن براهم هيئة المحكمة باستهجان: “هل (القرلّو) يقوم بجر جميع هؤلاء المتهمين إلى محاكمة اليوم؟ وأنا أتساءل لماذا قاضي التحقيق عوض أن يحترم الإجراءات قام بتعيين خبراء المفتشية العامة للمالية الذين لا يفقهون شيئا في القانون البحري، ببساطة هم ليس خبراء، بل لهم رتبة مفتشين وموظفين لا غير.. وبصريح العبارة “هؤلاء الخبراء جاو باش يغرقوا الناس ماشي يرفدو لعلام”.
بن براهم تستظهر كمّا من الوثائق وتقول للقاضي “كل التصريحات التي أدلى بها موكلي موثقة وثيقة بوثيقة، وأكيد هذه الوثائق ستعزز وستظهر براءة موكلي الذي طالبت في حقه النيابة 10 سنوات كاملة، وعلى هذا الأساس سيدي الرئيس أشدد على إسقاط التهم على موكلي والسماح له بالعودة إلى أحضان عائلته”.

“مخطط الإنقاذ” يجر موكلنا إلى السجن
ومن جانبه، استغرب رفيق دياب، محامي الدفاع عن المدير العام السابق للشركة الوطنية للنقل البحري للبضائع ـ شمال، المتهم “س.ع”، من طريقة جر موكله إلى السجن، ثم المحاكمة وهو مهدد بـ10 سنوات حبسا نافذا، بالرغم من جهوده الجبارة لإنقاذ الشركة من الإفلاس ولسان حاله يردد “أنا ابن شهيد ومستحيل أن أترك الشركة كي يستحوذ عليها الأجانب.. بل لن أتخلى عن دوري من أجل بلدي”، حسب المحامي.
واستهل دياب مرافعته بالقول “سيدي الرئيس، بدون أن أعود إلى سرد الحقائق وبدون الخوض في تفاصيل الوقائع.. لكن هناك محطات يجب الوقوف عندها وهي شهادة ستبقى للتاريخ.. موكلي تم تعيينه على رأس لكنان في أصعب مرحلة تعاني منها الشركة من أزمة مادية وبشرية وكانت في حالة إفلاس… والسؤال الذي بدر إلى ذهني لأول مرة زرت فيها موكلي، كيف قبل هذا المنصب في مثل تلك الظروف، وقلت له بالحرف الواحد “بالله عليك، لماذا قبلت هذا المنصب؟”، ليرد علي “أنا ابن شهيد، لا يمكن أن أتخلى عن دوري ومن المستحيل أن أترك أجنبي يسيرها”.
وعاد دياب إلى الوقائع المتابع فيها موكله قائلا “سيدي الرئيس، موكلي تم تعيينه في منصب مدير عام للشركة في 31 أكتوبر 2021، حيث أن الوضعية المالية للشركة عند استلامها كانت مفلسة بمعنى القانون التجاري، حيث أن المؤسسة كانت مدينة بقرابة 18 مليار دينار، منها 13 مليارا تجاه الصندوق الوطني للاستثمار لاقتناء سفن، و4 ملايير دينار يتم تحويلها إلى العملة الصعبة بسبب السفن التي تشكل تهديدا مستمرا لحجزها في الخارج، كما أن حساب الشركة البنكي محجوز، ناهيك عن نقص اليد العاملة وغيرها”.
وأضاف الدفاع “في 14 نوفمبر رفع موكلي تقريرا مفصلا لوزير النقل عن الوضعية المالية للشركة وقدم جدولا مفصلا يبين الخسائر التي تكبدتها الشركة في السنوات الست، كما قدم المخطط الاستعجالي من أجل تنمية الشركة وإعادة نشاط الأسطول، حيث أن الشركة أصبحت عاجزة حتى على تغطية نفقاتها التشغيلية نتيجة للديون المتراكمة، خاصة الديون الأجنبية مما يشكل خطرا كبيرا على حجز السفن بالموانئ الأجنبية”.
وتابع دياب “بتاريخ 15 ديسمبر، موكلي أخطر الوزير على مدى تعقيد الملفات والوضع الخطير الذي تعاني منه الشركة، وعلى وجود ثلاث سفن محتجزة في الخارج، وقدم له مخططا استعجاليا من أجل رفع الحجز عنها، والحمد لله ربي وفقه بفضل مخطط الإنقاذ الذي اعتمد عليه ونجح في رفع الحجز عن سفينتين، خاصة مع الحملة الشرسة التي تعرضت لها الجزائر في الخارج في تلك الفترة”.
وأشار المحامي أن موكله اشتغل لمدة 6 أشهر كاملة كمدير عام، إلا أنه لم يتلق راتبه، مؤكدا أن أول إجراء قام به هو إعطاء الأوامر لمدير المالية بإعطاء الأولوية لأجور العمال، باعتبار أنّ هؤلاء عجلة الشركة ومصدر رزقها.
وفي سنة 2021، يقول الدفاع، كانت هناك مشكلة تجارية كبيرة أخرى، وهي أن عشرات الآلاف من الأطنان من البضائع ظلت عالقة مند عدة أشهر في الموانئ الأجنبية وخاصة مسحوق الحليب، أنابيب سوناطراك ومعدات للمؤسسة العسكرية، وكانت هناك سفينة واحدة “سدراتة”، حيث اجتهد موكلي وشكل لجنة للتفتيش من أعلى المستويات، حيث تم رفع جميع التحفظات الموجودة في السفينة وأبحرت وعادت إلى الجزائر ببضائع المتعاملين.
المحامي دياب وباستغراب يخاطب هيئة المحكمة قائلا “سيدي الرئيس، السفينة أبحرت مرة أخرى مع تغيير القبطان وطاقم الإبحار، ليتم حجزها مجددا بالخارج والذريعة عدم دفع الأجور وعدم صلاحية شهادة التأمين، إلا أن الغريب في الأمر سيدي الرئيس أن الأجور تم ضخها من طرف مدير المالية وتم إرسال الإيمايل إلى قبطان السفينة، ونفس الشيء بالنسبة لشهادة التأمين، حيث أنه وعكس ما تم تداوله فإن سفينة سدراتة كانت مؤمنة لدى شركة التأمين الدولية “MS AMLIN” 20 فيفري 2022 إلى 20 فيفري 2023.. والسؤال المطروح: لماذا لم يتم استظهارها من طرف قبطان السفينة.. هذا عيب وعار..”، ليلتمس الدفاع في الأخير البراءة لموكله.

50 مليارا لم تضخ في جيب موكلنا
ومن جهتها، ركزت هيئة الدفاع عن المدير العام السابق لشركة النقل البحري للبضائع ـ شمال، “ج. ل”، في مرافعتها على انعدام الدلائل والقرائن التي تدين موكلها، وأكدت أن كل القرارات التي اتخذها “ج.ل” كانت وفقا لمبدأ الشفافية واحتراما لجميع القوانين المعمول بها.
وقال المحامي زموري “موكلي التحق بشركة كنان في ظرف حساس جدا، حيث وجدها في وضع مادي كارثي، كما أن القرارات التي اتخذها كانت وفقا لمبدأ الشفافية واحتراما لجميع القوانين المعمول بها وهذا بحضور محضر قضائي ولجنة الصفقات التي اتخذت جميع الإجراءات وطبقت البنود المدونة في قانون الصفقات العمومية، ثم بعد الموافقة النهائية لمجلس الإدارة أمضى على القرارات كآخر إجراء.
ومن جهتها، فإن المحامية إيناس بورني، التي رافعت بقوة من أجل إسقاط التهم عن موكلها، شددت على أن القضية ضخمة لكن الوقائع بسيطة، قائلة “سيدي الرئيس موكلي تحمّل مسؤوليات تصرف الغير، فقد تمت متابعته عن واقعة شراء السفن التي تم شراؤها على مراحل وعن طريق قروض بنكية، والسؤال المطروح عندما نسمع أن الدولة منحت 50 مليارا لشراء السفن، هل هذا المبلغ المالي تم ضخه في جيب موكلي.. لا سيدي الرئيس الأمر ليس كذلك، كما أن قرار الاقتناء تم أخذه من طرف لجنة الصفقات ليس من طرف موكلي، فكيف نحمله المسؤولية ونلصق له تهما ثقيلة لا ناقة له فيها ولا جمل، ففتح العروض والأظرفة والصفقات لا دخل لموكلي فيها”.
بالمقابل، استغرب المحامي عمر بلعباس من طلبات النيابة، حينما قال “سيدي الرئيس وكيل الجمهورية التمس توقيع عقوبة 10 سنوات في حق موكلي لكن دون تقديم أي أدلة تدينه، من أجل واقعة شراء السفن التي تم اقتناؤها على أساس أنها قديمة ولكن لا سيدي الرئيس مدة سيرها لم تتعد 3 سنوات، يعني كانت في حالة جيدة جدا، كما أنه في عهدته لم يتم حجز أي سفينة”.
وأضاف بلعباس “موكلي أفنى حياته من أجل خدمة لكنان، قضى عمره كلها من أجل النهوض بالشركة وسمح في عائلته، لم يحضر حتى جنازة أمه وأخيه الذي قتله الإرهاب، ليتم جره اليوم إلى السجن ثم محاكمته على شاكلة لص من اللصوص، بل أكثر من ذلك أن لكنان أورثته العديد من الأمراض فهو يعاني من السكري، الضغط الدموي وهلم جرا”.

موكلنا لا ناقة له ولا جمل في هذا الملف
ومن جهة أخرى، ثارت هيئة الدفاع عن المدير التقني لشركة “كنان” س.م”، وهزت قاعة الجلسات خلال مرافعتها، واصفة وقائع ملف الحال بـ”الطامة الكبرى”، حينما تم زج موكلها لمدة 14 شهرا كاملا في السجن، لا لشيء سوى أنه “أحب وطنه الجزائر وأراد خدمته”، على حد تعبيرها..
المحامية نصيرة والي واعلي، رافعت بقوة من أجل براءة موكلها وتأسفت من الوضع الذي هو فيه قائلة: “سيدي الرئيس موكلي ترك الإمارات ومعه راتب شهري يقدر بـ160 مليون سنتيم، من أجل الالتحاق بشركة كنان ومحاولة إنقاذها من خلال ضخ كل الكفاءات التي يحوز عليها للنهوض بهذه الشركة ومن ثم دفع عجلة الاقتصاد الوطني، مقابل راتب شهري لا يتعدى 10 ملايين سنتيم”.
وأضافت واعلي “موكلي لا دخل له في شراء السفن، كما أنه في عهدته تم حجز سفينة واحدة ليس لسبب تقني بل لعدم دفع أجور العمال، فهل هو من يتحمل هذه المسؤولية، زد على ذلك فقد تم متابعته على أساس تبديد الأموال، أين هي الأموال التي تم وضعها تحت تصرفه حتى يبدد المال العام؟… سيدي الرئيس ردوا الميزان إلى أصله وأخلوا سبيل موكلي واتركوه يعود إلى عائلته”.
وعلى نفس النهج سار المحامي نبيل واعلي الذي انتقد طريقة جر موكله إلى السجن حينما قال “سيدي الرئيس لم أفهم ما هو المعيار الذي اعتمد عليه قاضي التحقيق حتى يأخذ قرار إيداع موكلي الحبس، فما هي مسؤوليته.. فكل شخص عنده دور في السفينة، رئيس الميكانيكيين هو المسؤول عن الجانب التقني للسفينة وقبطان السفينة يقوم بعملية تفتيش دورية ويرسلون تقريرهم إلى المدير التقني وهكذا دواليك”.
وأردف واعلي، قائلا: “سيدي الرئيس موكلي لا ناقة ولا جمل له في هذه القضية فهو ليس المسؤول عن شراء السفن ولا دخل له في المراقبة والتفتيش داخل السفن، وسنقدم لكم في ملف الموضوع كل الأدلة والقرائن التي تسقط التهم عن موكلي، الذي أدى مهامه على أحسن وجه وفقا للقوانين المعمول بها وعليه نلتمس منكم تبرئة ساحة موكلي من جميع التهم الموجه إليه”.

إطارات البحر.. الحلقة الأضعف
وبدورها رافعت هيئة الدفاع عن قباطنة السفن، وأجمعت على أن موكليهم لديهم باع طويل في قيادة البواخر، وفي هذا السياق، أكد المحامي حكيم جردي، المتأسس في حق قبطان سفينة سدراتا “ج.م”، أن موكله تسلم قيادة الباخرة التي كانت راسية في ميناء الجزائر قبل إبحارها، عن طريق محضر الاستلام الذي لا يشير إلى أي خلل تقني، كما تسلم أيضا تقرير إجراء تدقيق داخلي وخارجي يؤكد أن كل النقاط غير المطابقة تم معالجتها.
بالمقابل، فإن رمضاني، محامي الدفاع عن قبطان سفينة تيمقاد “ف. رابح” ركّز على الخبرة التي يحوزها موكله في البحر، وقال “40 سنة وهو قائد السفن والبواخر، كان في ألمانيا، الإمارات، اليونان، وكان قائد لبواخر نقل الغاز والبترول، وبعد أن تم إحالته على التقاعد لبى نداء الوطن والتحق بشركة كنان ليجد نفسه في آخر المطاف مهددا بـ5 سنوات حبسا، فهل هذا هو جزاء السنمار؟
وعلى نفس الشاكلة رافعت هيئة الدفاع عن مدير الاستغلال ومدير التجهيز ورئيس الميكانيكيين وبقية المتهمين، حيث أجمعت على أن هؤلاء يُعتبرون الحلقة الأضعف في ملف الحال، وقالت إنهم منذ انطلاق التحقيق وهم يعانون الويلات والضغط الجسدي والنفسي، بل هناك من دخل في دوامة مغلقة لم يخرج منها إلى حد الساعة بالرغم من أنهم لا دخل لهم لا في شراء السفن ولا في حجزها ولا في ضخ رواتب العمال ولا حتى في إبحار الباخرة، وعلى هذا فإن براءتهم ظاهرة للعيان وواضحة وضوح الشمس، على حد تعبيره.

مقالات ذات صلة