الرأي

النازية تعود من مصر

حسين لقرع
  • 4363
  • 9

ما حدث في مصر الأربعاء الماضي، لا يكفي وصفُه بالمجزرة أو بالجريمة ضد الإنسانية فحسب، بل هو محرقة نازية بربرية غير مسبوقة في تاريخ مصر.

لقد زعم الانقلابيون أنهم سيعتمدون التدرّج في إنهاء الاعتصامين وسيلجأون إلى حصارهما وقطع الغذاء والماء عن المعتصمين، ثم إلى استعمال خراطيم المياه والغازات حفاظاً على أرواح المدنيين وبخاصة النساء والأطفال، ولكن الذي حدث أن آلاف الجنود وعناصر الأمن والقناصة لم يكتفوا بإطلاق الرصاص الحي على المعتصمين المسالمين، بل أحرقوا أيضاً، وبكل وحشية وهمجية، أجساد القتلى وكذا الجرحى الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة يعالَجون داخل المستشفى الميداني لـ”رابعة العدوية” بدل نقلهم إلى المستشفيات الحكومية، ليكشف الانقلابيون بذلك عن حقد أعمى تجاوز كل الحدود.

   وعوض أن يدخل الجيش بمجنزراته وآلياته الثقيلة إلى سيناء، ليمارس بها السيادة على الأراضي المصرية التي حرّمها عليه الصهاينة بموجب اتفاقية (كامب ديفيد)، فلا يتحرك فيها إلا بإذن منهم، آثر توجيهها إلى صدور المعتصمين المسالمين ليمارس عنترياته عليهم أمام كاميرات العالم.

   هذا الجيشُ الذي مُني بهزيمة مُذلّة في ظرف 5 ساعات فقط يوم 5 جوان 1967، أمام العصابات الصهيونية، وكان أفرادُه يتخلّون عن دباباتهم وآلياتهم العسكرية ليغنمها العدوّ ويفرّون مذعورين في صحراء سيناء لا يلوون على شيء كما يروي سعد الدين الشاذلي، في مذكراته، لا يتورّع الآن عن استعراض “بطولاته” على أبناء شعبه من المدنيين العزّل دون أي شعور بالخزي، بينما ينبري عددٌ من جنرالاته المتقاعدين الذين ألحقوا بمصر العار في نكبة 1967، بسوء إدارتهم للحرب، ليدافعوا الآن عن المحرقة في فضائيات الفتنة والدم بصفتهم “خبراء ومحللين استراتيجيين”.

   ما فعله الجيشُ المصري وقوات الأمن يوم 14 أوت 2013، سيبقى وصمة عار تطارده كما طاردت من قبل جيش بينوشي، وكل الجيوش الفاشية التي حاولت حكم بلدانها بالقوة في أمريكا اللاتينية وأوربا الشرقية وإيران الشاه وغيرها، فانتهى بهم الأمر إلى مزبلة التاريخ، وانتصرت الديمقراطية وإرادة الشعوب في الأخير بعد مقاومة مدنية مستميتة وتضحيات جسيمة.

   ونعتقد أن الشعب المصري لن يكون أقل شأناً من شعوب أمريكا اللاتينية وأوربا الشرقية، التي قاومت الديكتاتوريات العسكرية سنوات طويلة حتى دحرتها وأجبرت جيوشها على اعتزال السياسة والتفرُّغ لمهامها الدستورية، وقد رأى العالمُ كله كيف أن محرقة الأربعاء، لم تسحق أنصار الشرعية، فتحدُّوا حظر التجوال وحالة الطوارئ واستمروا في التدفق على الشوارع للتظاهر والمطالبة دون هوادة برحيل الانقلابيين، ما يؤشّر لنهاية وشيكة للانقلاب.

   الجيش المصري غرق في السياسة حتى أذنيه، فناصر بعض الشعب على بعضه الآخر، وتحيَّز للأقلية العلمانية وانقلب على الشرعية التي جاء بها الصندوق في انتخابات حرّة وشفّافة، وقسّم بذلك المجتمع إلى فئتين متبا غضتين، ثم غرق بعدها في دماء المدنيين الأبرياء فارتكب ضدهم مجازر دموية عديدة، قد تكون نتيجتُها أن يغرق البلد في أتون حرب أهلية، أو دوامة من الاضطرابات التي قد تستمر أشهرا أو سنوات، وتنتهي بتفكّك مصر أو تحوّلها إلى دولة فاشلة.

 

لا شيء يمسح الآن هذا العار إلا الانقلاب على السيسي، وتقديمه وأزلامه إلى المحاكمة، وإعادة الشرعية والتصالح مع الشعب، ولن يحقق هذه المهمة سوى ضباط أحرار شجعان لا يخافون الموت ويرفضون الظلم والقهر، وجرائم حرق الموتى والجرحى الأبرياء.

مقالات ذات صلة