الرأي

المعارضة‭ ‬المُكيّفة‭!‬

قادة بن عمار
  • 5908
  • 12

جزء كبير من المعارضة في الجزائر، والخارج، يبني أطروحاته الدعائية على غياب الرئيس بوتفليقة وظهوره على الشاشات، فإن غاب قالوا أنّ الوضع خطير وحساس جدا، وينذر بمزيد من الفتن والأمور التي تُطبخ سرا، وإن عاد للظهور، بنَت المعارضة خطابها على لغة أخرى تنتقد تمسكه‭ ‬بالسلطة،‭ ‬ومعارضته‭ ‬للتغيير‭!‬

هكذا فعل كثير من رموز تلك المعارضة المُفلسة والمهددة بالانقراض، خلال الفترة الممتدة، من ظهور الرئيس بوتفليقة عند استقباله وزير الخارجية الفرنسي، ثم غيابه عن الصورة، وإلغائه جلسات الاستماع في رمضان، قبل الظهور مجددا بمناسبة الاحتفالية الدينية بليلة القدر المباركة‭!‬

تلك المعارضة، وبعضها في لندن وعواصم غربية أخرى، على اعتبار أن رموزها الداخلية باتت من الماضي الديمقراطي السعيد.. لا تهتم إذن بمرض الدولة بقدر اهتمامها بمرض الرئيس، وكأن هذا الأخير لو استعاد شبابه وعافيته، ستتحول الدولة إلى جنة على الأرض، وتنتهي الاحتجاجات وتزدهر‭ ‬التنمية‭ ‬وتتضاعف‭ ‬المشاريع‭!‬

ألم‭ ‬نقل‭ ‬لكم‭ ‬في‭ ‬مرات‭ ‬عديدة‭ ‬أن‭ ‬جزءا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬السلطة‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المعارضة‭ ‬الموبوءة،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬سوى‭ ‬عبر‭ ‬الفضائيات‭ ‬ولا‭ ‬تنتقد‭ ‬سوى‭ ‬عبر‭ ‬الفاكسات‭!‬

أحد رموز المعارضة “المكيّفة” في لندن، خرج مؤخرا ليطالب الصحافة الجزائرية مثلا بالانحياز للشعب بدلا من السلطة، ناسيا أو متناسيا أن جميع أمثلته التي ساقها في حديثه عن تدهور أوضاع الجزائريين، وتزايد سوء معيشتهم استمدها من تلك الصحافة التي لا تعجبه!

مواطن غلبان من الصحراء كتب للشروق مؤخرا ليقول، أنه بسبب توالي انقطاعات الكهرباء في ولايته، أصبح المواطنون هناك يشعرون أنهم من الدرجة العاشرة وليس فقط الثانية أو الثالثة، وباتت انقطاعات الكهرباء أشد وقعا عليهم من غياب السكن والعمل، ودافعا مهما لخروجهم إلى الشارع‭ ‬ضمن‭ ‬حركات‭ ‬احتجاجية‭ ‬ترصدها‭ ‬الصحافة‭ ‬بشكل‭ ‬يومي،‭ ‬ولا‭ ‬تجد‭ ‬لها‭ ‬شركة‭ ‬سونلغاز‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬فعل،‭ ‬سوى‭ ‬القول‭ ‬أنها‭ ‬تواجه‭ ‬اختبارا‭ ‬صعبا‭ ‬في‭ ‬ترشيد‭ ‬طاقتها‭!‬

نعتقد بأن المعارضة تحتاج أيضا إلى ترشيد في نفقاتها الخطابية التي تحولت إلى مجرد كلام في الهواء، رصاصات طائشة، هدفها الاستهلاك الإعلامي وفقط، من دون تقديم البدائل ماعدا المطالبة بتغيير النظام جملة وتفصيلا، حتى تخيلنا أن أحد المعارضين في لندن، بات يرى نفسه المروزقي‭ ‬الجزائري‭ ‬أو‭ ‬الغنوشي‭!‬

يا ليتهم وصلوا بنضالهم المفبرك إلى جزء بسيط ولو حتى الربع، من نضال وثقافة منصف المروزقي أو وسطية راشد الغنوشي، أو حتى صبر محمد مرسي الذي خرج من السجن مع بداية الثورة، ليعود رئيسا يحمي المصريين بمرور الوقت من قبضة الجنرالات والفلول وأنصار الثورة المضادة!

مادامت هنالك معارضة مفصّلة على مقاس السلطة، ولا تخرج عن إرادة ما يخطط لها، سواء في الداخل أو الخارج، فعلى النظام السياسي أن يستريح، كما أن جيوب الفساد التي استوطنت في مفاصل الدولة ولا تريد مفارقتها، ستمدد رجليها أكثر وأكثر، في ظل خطاب مضاد يفتقد إلى الحرية‭ ‬ولا‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬سوى‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬انتقامية‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭ ‬ولا‭ ‬أقل‭!‬

ولأننا لم نصل بعد إلى مستوى معارضة السلطة، حتى نطالبها بالتغيير، ونشر الديمقراطية وإنهاء الفساد، فلا أقل من أن تخصص تلك الأحزاب والشخصيات لسانها ومنابرها الإعلامية للمطالبة بإنهاء أزمة الكهرباء والحليب.. ذلك أسلم للعقل وأقرب للمنطق!

مقالات ذات صلة