-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المشكلة فينا أم في خطبائنا؟!

سلطان بركاني
  • 1388
  • 0
المشكلة فينا أم في خطبائنا؟!

دأب كثير من المشرفين على مجموعات مواقع التواصل الاجتماعيّ، على طرح سؤال أسبوعيّ، أمسية كلّ جمعة، يستطلع عناوين الدّروس والخطب التي ألقيت في مختلف المساجد.. واللافت أنّ كثيرا من الأعضاء المشاركين في الإجابة عن هذا السؤال يُبدون تذمّرهم مما يلقى في بيوت الله من خطب ودروس لا ترقى لمستوى تطلّعات رواد المساجد الذين يتوقون لسماع خطاب يعالج واقعهم المعيش ويضع اليد على تفاصيله ويُوجِد الحلول للمشاكل التي يعانيها المجتمع وتنخر بنيانه.. ويذهب بعض المشاركين في الإجابة بعيدا إلى حدّ القول إنّهم ما عادوا يهتمّون بحضور الخطب والدّروس، بعد أن أصبحوا يدخلون المساجد قبيل إقامة الصلاة ولا يسمعون من الدرس والخطبة جملة أو حتى كلمة!

صحيح أنّ بعضا من أئمّة المساجد وخطباء المنابر، لا يهتمّون كثيرا بالمواضيع التي يختارون عرضها يوم الجمعة، ولا يجهدون أنفسهم في تحضيرها والحرص قبل ذلك على التصاقها بواقع المجتمع ومشاكله. لكنّ الحقّ يقال إنّ هناك كثيرا من أئمّة الجيل الجديد من الشّباب يولون خطبة الجمعة ما تستحقه من اهتمام وتحضير، ويقدّمون مادة نافعة. لكنّ رواد مساجدهم لا يظهرون اهتماما كبيرا بسماع ما يلقى على الأسماع، وأحسنهم حالا من يبدي الاهتمام بعض الوقت، ثمّ يتسلّل إليه الفتور، ويبدأ في التثاقل، لأنّه بكلّ بساطة يجد بونا شاسعا بين ما يعرضه الخطيب من حلول تحتاج إلى همّ وعزم وصبر، وبين همّة نفسه التي تأبى إلا الرضا بالدّون والرّضوخ للروتين.

كثير من رواد بيوت الله يسمعون خطبا مؤثّرة لصيقة بالواقع، تلامس القلوب وتحرّك العقول، لكنّ قصارى ردّ فعلهم أن يقول قائلهم: “الإمام له الحقّ فيما يقول”، ثمّ يمضي في طريقه، لا يغيّر شيئا في واقعه، كأنّه غير معنيّ بالخطاب! وهناك من يسمع الخطب بأذُن ويلفظها قبل أن يخرج من المسجد من الأذن الأخرى! ليقول بلسان حاله: ((سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)).. أو بتعبير دارج: “آو دير كيما يديرو النّاس! ما جاتش غير فينا حنا”! أمّا الصنف الأكثر إعراضا فيقول قائلهم إنّ الإمام يبالغ! أو بتعبيرنا نحن الجزائريين: “هاو الشيخ يزيّر في روحو ويزيد عليها برك”!

من حقّنا أن نهتمّ بتقييم الخطاب المسجديّ في الواقع وفي المواقع، لكن لنكن على يقين بأنّ تبعة الفساد الذي نعيشه في واقعنا لا يتحمّلها الخطباء وحدهم، إنّما يتحمّلها المستمعون الذين يستمعون القول فيبحثون عن سيّئه ويُعرضون عن أحسنه! من واجبنا جميعا أن نسأل: لماذا نستمع القول ولا نتّبع أحسنه؟ لماذا نسمع الموعظة والتوجيه، ثمّ يبقى الواقع كما هو؟! هل قصّر الأئمّة –مثلا- في الحديث عن التبرّج حتّى ينتشر بهذه الصورة المخيفة بين نسائنا وبناتنا؟! هل سكت الأئمّة عن حرمة المعاملات الربوية حتّى يتنافس فيها النّاس بهذه الصّورة التي نشهدها؟! هل سكت الأئمّة عن فساد ذات البين حتى تفشو القطيعة والهجران بيننا إلى هذا الحدّ؟!

إنّنا لو صدقنا مع أنفسنا لقلنا إنّ السّبب فيما نعيشه من بعد عن الدّين، هو الدّنيا التي غلبتنا وقهرتنا! الدّنيا التي استولت على قلوبنا! حتى ما عادت قلوبنا ملكا لنا، بل أمست ملكا للدّنيا يسرح فيها الشّيطان ويمرح كيف شاء! الشّيطان الذي ما عاد يبذل كبير جهد في قيادة أنفسنا وأسر قلوبنا والكلام على ألسنتنا!

أصبحنا لا نعرف من الإسلام إلا ما يوافق أهواءنا ومصالحنا، وأضحى الدّين أهون شيء في حياتنا، وأمسينا -إلا من رحم الله منّا- عبيدا لأهوائنا وشهواتنا ومتعنا ورغبات أنفسنا. نعيش لأجسادنا الفانية وشهواتنا وبطوننا، ونضحّي بكلّ شيء في سبيل المصالح الدنيوية العاجلة؛ يضحّي من يضحّي منّا بكرامته، برجولته، وحتى بعرضه، لأجل منصب أو مسكن.

لا نملك أيّ استعداد لنضحّي بشيء ولو قليل من دنيانا لأجل ديننا، ولا لبذل أيّ جهد أو مال لنصرة قضايا أمّتنا. لا تتحرّك قلوبنا ولا تحزن لانتشار الكبائر والمنكرات، ولا تتمعّر وجوهنا للتضييق على الشعائر في بعض البلدان.. لو حيل بين أحدنا وبين شيء من دينه، فإنّه لا يزيد –في أحسن الأحوال- على كلمات يلفظها بلسانه، ثمّ يتعايش مع الوضع، بل ربّما يعجبه.. ولكنّه -في المقابل- لو مُنع شيئا من دنياه، فإنّه يستنكر ويرفع صوته عاليا ويتكلّم في البيت والسوق والمقهى ومكان العمل وحتى في المسجد.. يعلم أحدنا كلّ صغيرة وكبيرة تتعلق بمصالح دنياه، لكنّه يجهل أبسط الأحكام التي تتعلّق بدينه.. إذا تعلّق الأمر بصحّة جسده، فإنّه يبحث عن أمهر الأطبّاء وأشهرهم وأكثرهم تخصّصا، ثمّ يبكّر في السّاعات الأولى ليحجز موعدا، ويظلّ صابرا ساعات طويلة حتّى يحين دوره، فإذا دخل على الطّبيب جلس بين يديه كالطّفل الذي لا يعلم شيئا ويريد أن يعرف كلّ شيء.. لكنّه في المقابل عندما يتعلّق الأمر بخطبة الجمعة لا يبحث عن الإمام الذي يحرّك قلبه ويستحثّ عقله، إنّما يبحث عن أسرع الأئمّة خطبة وأوّلهم سلاما من الصّلاة! حاله كما قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلم: “… جعظريّ جواظٍ سَخّابٍ بالأسواقِ جيفةٍ بالليلِ حمارٍ بالنّهار عالمٍ بأمرِ الدنيا جاهلٍ بأمرِ الآخرة”.

أصبح الدين في حياتنا لا يعدو ركعات معدودة في اليوم نخطفها سريعا على سجادات نطويها ونخفيها في الزوايا المهملة حتى لا تفسد ديكور بيوتنا! وإذا صلينا في المساجد انشغلنا بالمبردات والنوافذ، وتسمّرت عيوننا في الساعات والمؤقتات، ننتظر على أحرّ من الجمر القيام إلى الصلاة التي نريد للإمام أن يقرأ فيها بـ((إنا أعطيناك الكوثر)) و((قل هو الله أحد))، ويريحنا منها سريعا لنعود إلى دنيانا.. أمّا الدروس والخطب، فهي أثقل على قلوبنا من الجبال، لا نريد سماعها وإذا سمعناها وجدنا لأنفسنا الأسباب للتملّص ممّا جاء فيها!

إنّنا -إلا من رحم الله منّا- نعيش وضعا خطيرا يستدعي مسارعتنا بالإصلاح، حتى لا نهلك ونحن لا نشعر.. وأوّل خطوة على الطّريق أن نعترف بأنّ نفوسنا قد مرضت وقلوبنا قد قست، بسبب الدّنيا.. فإذا عرفنا أنّنا نعاني مرضا مهلكا، وأدركنا أنّنا على خطر، فإنّنا سنسارع –بإذن الله- إلى الإصلاح.. أمّا إذا أصررنا على إحسان الظنّ بنفوسنا، ونظر كلّ واحد منّا إلى من هو دونه ومن هو أسوأ منه حالا، وعلّق سبب فساد الواقع بالخطباء وحدهم، فإنّنا ربّما نأتي يوم القيامة لنفاجأ بنتائج الامتحان أنّها على غير ما كنّا نتوقّع تماما: ((وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ))!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!