الجزائر
وضع كارثي للسفن.. حجز في موانئ أجنبية وغرامات بالملايير

المحاكمة تكشف: هكذا تم تحطيم الأسطول البحري الجزائري

نوارة باشوش
  • 5590
  • 0
أرشيف

أزال رئيس القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، الإثنين، الستار عن الفساد الذي عشّش في قطاع النقل البحري، حيث تعرض أسطوله لتحطيم ممنهج من طرف “زمرة فاسدة”، كبدت خزينة الدولة ما يربو عن 400 مليار سنتيم من خلال حجز 4 سفن فقط من طرف جهات أجنبية، طالما حاولت حبك مؤامرات متتالية لعرقلة الإصلاحات والتوجه الجديد لإنعاش المجمع الجزائري البحري، والذي يعتبر شريانا مهما للتجارة الخارجية ونقل الأشخاص والتبادل والعلاقات الدولية، خاصة بالنسبة للدول المطلة على البحار والمحيطات.
هيئة المحكمة وخلال جلسة المحاكمة واجهت المتهمين بحقيقة إبرام صفقات وعقود بطريقة مخالفة للقوانين والتنظيمات وتجاوزات في تسيير الشركة، والتواطؤ لتبديد المال العام، من خلال التسبب في التوقف التقني وعدم استغلال سفن شحن تابعة للشركة وتوقفها على مستوى الموانئ الداخلية وتوقيف بواخر أخرى بموانئ أجنبية، وبالنتيجة التأثير على نشاط ومعاملات الشركة وتدهور وضعيتها المالية رغم الدعم المالي المقدم لها من طرف الدولة، مما ألحق أضرارا مالية كبيرة بالشركة والمجمّع والخزينة العمومية.
نيابة الجمهورية للقطب بدورها حاولت الاستفسار عن الأسباب الرئيسية التي كانت وراء ذهاب ملايير الدينارات في مهب الريح، كانت في الأصل مخصصة للاستثمار والنهوض بشركة النقل البحري، باعتبار أن الدولة دعمت ولسنوات عديدة مجمع النقل البحري “Groupe GATMA”، الذي يضم 6 فروع، اثنان منها مختصان في النقل البحري للبضائع، يتمثل الأول في الشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال ـ ” CNAN _ Nord” والثاني “الشركة الوطنية للنقل البحري ـ متوسطية ـ “CNAN _ med” وشركتان أخريان في قطاع الخدمات البحرية وهما NASHCO” ” وGEMA””، إلى جانب الشركة الخاصة لنقل المسافرين “ENTMV” وأخرى في مجال الصيانة البحرية وبناء السفن “ERENAV”.
في حين استفادت الشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال سنة 2013 من مبلغ مالي يقدر بـ4500 مليار سنتيم، لكن بسبب سيطرة “زمرة فاسدة ” على مفاصل القطاع وتوظيف المحسوبية والمحاباة في مجالات منح الصفقات والتوظيف والمشتريات والعمل لصالح شركات النقل البحري الأجنبية على حساب المجمع البحري الجزائري، إضافة إلى عدم وضوح اللوائح والقواعد والضوابط القانونية، الجمركة، التجارة والنقل البحري، لم تبرز نتائج استثمارها على أرض الواقع.
وقد انطلقت، الاثنين، على مستوى الفرع الأول لدى القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، محاكمة الفساد التي طالت قطاع النقل البحري المتابع فيها المدير العام السابق للشركة الوطنية للنقل البحري للبضائع “شمال” المدعو “ج. ل” والمديران العامان السابقان للشركة “ع.س.و” و”غ.س.ع”، المتواجدان رهن الحبس المؤقت إلى جانب 32 متهما آخر تم وضعهم تحت إجراء الرقابة القضائية.
وقد وجهت للمتهمين تهم ثقيلة تتراوح بين إبرام عقود وصفقات واتفاقيات بطريقة مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية بغرض منح امتيازات غير مبررة للغير، اختلاس والتبديد العمدي والاستعمال على نحو غير شرعي لأموال وممتلكات عمومية، إساءة استغلال الوظيفة على نحو يخرق القوانين والتنظيمات من أجل الامتناع عن اداء عمل من أعمال الوظيفة المال المنصوص والمعاقب عليها بالمواد 29 و33 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، إلى جانب جنح الإهمال الواضح المؤدي لتلف أموال عمومية والمشاركة في التبديد العمدي للمال العام.
وبعد المناداة على المتهمين والأطراف المدنية، فسح القاضي المجال لهيئة الدفاع لتقديم دفوعاتها الشكلية، حيث أجمع المحامون على أن الوقائع المنسوبة لموكليهم قد مرّ عليها 3 سنوات وعلى هذا الأساس مسها التقادم بقوة القانون، كما طالبوا أيضا باستبعاد تأسيس وزارة النقل كطرف مدني في قضية الحال، فيما طالب وكيل الجمهورية هيئة المحكمة برفض الدفوع الشكلية.
رئيس القطب وبعد أن قرر ضم الدفوع الشكلية إلى الموضوع، رد على الدفع الشكلي المتعلق باستدعاء خبراء المفتشية العامة للمالية باعتبار وجود خبراء احتياطيين لم يؤدوا اليمين القانونية، قائلا “جميع الخبراء أدوا اليمين القانونية أمام قاضي التحقيق والنسخ موجودة في الملف وقد تم تحرير محضر على ذلك”.
هيئة الدفاع من جهتها، استفسرت عن ضم 3 ملفات في ملف واحد وربطت ذلك بما سمته “عدم الارتباط” بوحدة الأطراف والسفن مما يستجوب عدم الضم، إلا أن القاضي شدد على أن قاضي التحقيق اعتمد خلال ضمه للملفات على معيارين “الأشخاص والموضوع”، باعتبار الأمر يتعلق بنفس الشركة ونفس السفن.

القاضي للمتهم: لماذا تم حجز سفننا في الموانئ الأجنبية؟
القاضي يشرع في استجواب المتهمين والبداية من المدير العام السابق بالشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال “ج. ل”.
القاضي: أنت متابع بجنح إبرام عقود وصفقات واتفاقيات بطريقة مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية بغرض منح امتيازات غير مبررة للغير، اختلاس والتبديد العمدي والاستعمال على نحو غير شرعي لأموال وممتلكات عمومية، إساءة استغلال الوظيفة على نحو يخرق القوانين والتنظيمات من أجل الامتناع عن أداء عمل من أعمال الوظيفة المنصوص والمعاقب عليها بالمواد 29 و33 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، هل تعترف أم تنكر؟
المتهم: أنكرها جملة وتفصيلا سيدي الرئيس، لأنني طيلة مشواري المهني اعتمدت على مبدأ الشفافية وتنفيذ القوانين، كما أن جل القرارات تمت بعد موافقة مجلس الإدارة الشركة الوطنية للنقل البحري – شمال.
القاضي: كنت مديرا للشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال ـ؟
المتهم: سيدي الرئيس أنا التحقت بشركة النقل البحري ” Groupe GATMA” عام 1981، وفي أواخر 2007 كإطار بالشركة الوطنية للنقل البحري ـ شمال ـ ليتم بعدها تعييني كمدير عام لهذه الأخيرة بقرار من مجلس الإدارة.
القاضي: وماذا عن الشركة الوطنية للنقل البحري ـ متوسطية ـ CNAN _ med ؟
المتهم: عملت فيها 8 أشهر وهذا بعد التقاعد أي في 2016، وبعدها التحقت بـ”كنان ماد” في شهر جويلية 2021.
القاضي: التحقت كمدير للمديرية التقنية والتجهيز للشركة أليس كذالك؟
المتهم: نعم سيدي الرئيس.
القاضي: واصل.
المتهم: سيدي الرئيس، كل القرارات التي اتخذتها كانت وفقا لمبدأ الشفافية واحتراما لجميع القوانين المعمول بها وهذا بحضور محضر قضائي ولجنة الصفقات التي اتخذت جميع الإجراءات وطبقت البنود المدونة في قانون الصفقات العمومية، ثم بعد الموافقة النهائية لمجلس الإدارة أمضي على القرارات كآخر إجراء.
القاضي: ما هو عدد السفن التي تم إبرام العقود فيها؟
المتهم: 7 سفن سيدي الرئيس.
القاضي: كم من عرض كان بحوزتكم؟
المتهم: في البداية، كانت هناك عروض قليلة جدا ـ وهنا أتحدث عن عهدة المدير الذي كان قبلي – وحتى أن العروض التي تم الموافقة عليها تم غلقها نهائيا وبقي فقط الإمضاء.
القاضي: كم كانت المدة التي وقعت أنت فيها على العقد الأخير؟
المتهم: أسبوع فقط بين 25 ماي و2 جوان وهذا بعد قرار مجلس الإدارة.
القاضي: هل تم اللجوء إلى المناقصة الدولية “مفتوحة”؟ وما هي المعايير التي تم الاعتماد عليها لاقتناء السفن؟
المتهم: نعم، سيدي الرئيس، أعلنا عن مناقصة دولية مفتوحة، أما بخصوص المعايير فنحن نعتمد على معايير تقنية بحتة، لأن شراء السفن يعتبر استثمار مهم جدا، كما أن المعايير التقنية لها الأولوية في الاختيار، وعلى هذا الأساس أدرجنا بندا في دفتر الشروط يرتكز على التجهيزات واشترطنا أن تكون ذات جودة عالية مصنعة من طرف شركات عالمية معروفة وتعاملنا معها من قبل.
القاضي: طيب… وماذا عن المعيار الذي تم إدراجه في صفقة الشراء وهو غير مذكور في دفتر الشروط؟ وعلى أي اساس تم اختيار المتعامل الثاني؟
المتهم: أولا، لجنة التقييم في هذا العرض أعطت علامة كبيرة لباخرة تيمقاد، ونحن كلجنة صفقات قدمنا المعايير التقنية اللازمة، وللضرورة أحكام سيدي الرئيس، أما عن اختيار المتعامل الثاني، فإن هذا الأخير يحوز على تجهيزات كبرى على غرار المحرك الذي تم صنعه بدولة “الدنمارك”، حيث يتواجد المصنع الأصلي لهذه المحركات والذي يتمتع بمستوى تكنولوجي عالي.
وتابع المتهم تصريحاته “والأهم من ذلك سيدي الرئيس، نحن نستثمر في الباخرة وما أدراك ما الباخرة، فعليها أن تكون ذات جودة عالية وفقا لما يعرف بـ”البواخر الخضراء”، كما أننا دوّنا كل صغيرة وكبيرة في تقرير مفصل ورفعناه إلى مجلس الإدارة، وعلى هذا الأساس تم اختيار المتعامل الثاني وليس الأول.
القاضي: كانت هناك معايير تم إدراجها في معايير تقنية أخرى وهي غير مذكورة في دفتر الشروط، لماذا؟
المتهم: هناك أمور شكلية سيدي الرئيس، لو اعتمدنا على كل المعايير، هناك الكثير من الأمور سيتم اقصاؤها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فنحن لم نسجل أي شكوى في هذا الخصوص.
القاضي: فيما يتعلق بحجز السفن هنا وهناك في الموانئ الأجنبية على غرار فرنسا، بلجيكا، ما هو السبب الذي كان وراء هذا الحجز؟
المتهم: أولا، سيدي الرئيس، أنا لم أكن في تلك الفترة على رأس الشركة، ومع هذا فعندما يتعلق الأمر بسفننا فإن الأجانب يدققون في كل صغيرة وكبيرة حتى أنهم يسجلون كسر الحنفية على أنها خلل تقني ويقومون بحجز السفينة بأكملها، وحجز السفن الجزائرية لا علاقة له بالأسباب التقنية.
القاضي يقاطعه في الحديث: لا، الباخرة التي تم حجزها في ميناء إسبانيا كانت بسبب خلل في المحرك؟
المتهم: لا سيدي الرئيس، لا يتعلق الأمر بصيانة المحرك فقط مثل ما يحدث في المركبة.
القاضي: لكن الضرر المالي الذي لحق بالشركة عموما والخزينة العمومية خصوصا يقدر بأزيد من 3 ملايير دينار وبالضبط 370 مليار سنتيم بسبب حجز 4 سفن ببلجيكا وهولندا وإسبانيا، باعتبارها غير مؤهلة على غرار الضرر الذي سببته لإحدى البواخر خلال محاولتها الرجوع إلى الوراء، ناهيك عن عدم دفع أجور العمال لأزيد من 3 أشهر.
القاضي ثائرا: “تقريبا الأسطول البحري الجزائري محجوز من طرف الأجانب.. والخزينة تدفع الثمن لماذا كل هذا؟”.
المتهم: سيدي الرئيس، أنا لم أكن على رأس الشركة في تلك المرحلة، هناك باخرتان تم حجزهما ولكن بقية البواخر كانت بصدد الصيانة.
القاضي: من هو المسؤول عن الصيانة؟
المتهم: هناك المصلحة التقنية.
القاضي: ومن هو المسؤول عن المصلحة التقنية؟
المتهم: لا أعرف سيدي الرئيس، لم أكن في تلك المرحة على رأس الشركة.

القاضي ينظر إلى المتهم ويخاطبه: يعني تريد أن تقول أنك لم تكن في تلك المرحلة ولن تتحمل مسؤولية ذلك؟
المتهم يصمت.
القاضي: هل من إضافة؟
المتهم: سيدي الرئيس.. الصيانة “لازمها إمكانات”، والوضعية المالية لشركة النقل البحري كانت كارثية بأتم معنى الكلمة.. سيدي القاضي أنا عندي 34 سنة كإطار في الشركة وأعطيت كل ما أملك وخدمت بكل شفافية لأجد نفسي هنا أحاكم بتهم لا ناقة لي فيها ولا جمل.
وفي هذه الأثناء يتدخل وكيل الجمهورية ويسأل المتهم “ج. ل”.
الوكيل: خصصوا لكم غلافا ماليا لشراء السفن، هل ألزموكم بشراء سفن جديدة أو قديمة، أم تركوا لكم حرية الاختيار في الشراء؟
المتهم: لا، تركوا لنا حرية الاختيار في اقتناء سفن من 3 إلى 5 سنوات سير، لكن نحن قمنا بشراء سفن اقل من 3 سنوات.
الوكيل: لماذا لم تقتنوا سفنا جديدة؟
المتهم: لا سيدي الوكيل، السفن الأقل من 3 سنوات تعتبر سفنا جديدة.
الوكيل: لا هناك فرق شاسع بين اقتناء السفن الجديدة والسفن مدة سيرها أقل من 3 سنوات.
الوكيل: بالنسبة لمسألة حجز السفن في الموانئ الأجنبية، فالأمر يرجع إلى تسجيل عدة مخالفات على شاكلة انتهاء صلاحية شهادة المحرك، وكذا شهادة التصميم وغيرها.. أليس كذلك؟
المتهم: أنا لم أكن في تلك المرحلة كما سبق وأن صرحت أمام هيئة المحكمة.
الوكيل يثور في هذا الأثناء ويسأل المتهم “لماذا كلما يتم تخصيص غلاف مالي للاستثمار في هذه الشركة إلا ويفشل الأمر ويعود إلى نقطة الصفر؟”.
المتهم: سيدي الوكيل، العائق الأول يعود إلى طرق التمويل والثاني إلى الضمان.

مقالات ذات صلة