الرأي

الماضي الحاضر

عمار يزلي
  • 704
  • 0

ما حدث مؤخرا في فرنسا وما سوف يحدث لاحقا، ما هو إلا وجها من وجوه مخلفات الاستعمار التي طالما تحدثنا عنها ضمن مشروع الذاكرة مع فرنسا، والذي لا يزال يتلكأ عند كل مفترق طرق.

اليمين الفرنسي بكل أطيافه بات اليوم يجتر الماضي الاستعماري كما لو أنه حدث أمس فقط، ويقايض بها السياسة الداخلية الفرنسية، التي لا أحد يريد أن يتدخل فيها إذا ما لم تتدخل هي في غيرها، وهو ما لا تفعله في العادة، خاصة مع الدول “الدونية” تاريخيا وجغرافيا وموالاة. المقايضة هنا، تعمل على ليّ يد أي محاولة حلحلة الأمور العالقة والإشكالية بين الجزائر وفرنسا، والتي يمكن تسييرها بدون كثير من العناء لو أن العنصر العنصري في فرنسا أخفى قليلا ضغائنه القديمة الجديدة والتي ورثها أبا عن جد منذ حتى ما قبل احتلالها للجزائر عام 1830.

ما حدث في فرنسا، شأن داخلي فرنسي، للجزائر حق المراقبة والمتابعة والتعامل الدبلوماسي مع الوضع، كون الضحية رعية جزائرية قبل أن يكون فرنسيا. الضحية كان ضحية للتجاوزات الأمنية غير البريئة، بل وغير المهنية وغير الأخلاقية حتى لا نقول “عنصرية” وإجرامية، وهذا في بلد يتغنى بالحريات والمساواة والأخوة والعدالة منذ الثورة الفرنسية في 1789. حقوق وحريات وعدالة لا تري ولا تنطبق إلا على من هم من طينة الأبيض الأشقر، فيما البقية من الأقليات، خاصة تلك التي جرتها فرنسا خلفها بحكم التاريخ الاستعماري والارتباط الأوحد والعضوي بـ”الأم الفرنسية”، المطلقة التي أرغمت على الخروج من بيت الزوجية مكرهة مطلقة، لكنها أرغمت أيضا على تحمل جزء من تبعات “النفقة” فيما اشترطت هي شرط دفع الزوج حق المتعة، مع أن الزواج كان في الأصل فاسدا ناجما عن اغتصاب وإكراه لا زواجا طوعيا.

هذا التوصيف، هو شأن حادثة الشاب نائل، الذي ألهب فرنسا وألهب أكثر رد الفعل.

لقد شاهدنا بأعيننا ما حدث، حتى وإن كان للقضية بقية وتفاصيل قد تكشفها لاحقا التحقيقات والتحريات وشهادات الشهود التي بدأت تظهر تباعا.

قتل الشاب، فقط لأنه كان يحمل بشرة داكنة، هذا ما يبدو عليه الحال إلى غاية تكذيب هذا الادعاء.. إن حصل. غير أن حملة التبرعات التي جمعت خلال اليومين الأولين بعد مقتل نائل، والتي قدرت بنحو 80 ألف أورو لعائلة الفقيد، والتي شارك فيها نحو 5 آلاف متبرع، قابلتها في المقابل تبرعات لعائلة الشرطي القاتل تفوق 500 ألف أورو، شارك في جمعها نحو 25 آلف شخص. نحن إذن أمام مجتمعين منفصلين متضادين متعاكسين في الرؤى والتوجه والاتجاه، وهذا أمر في غاية الخطورة، قد يصعد الموقف لاحقا باتجاه حرب أهلية، تكون فرنسا الاستعمارية هي من أشعلتها بما كسبت أيديها.

أحداث فرنسا، تذكرنا بملف الذاكرة الذي عليه أن يحيا وأن تتمكن فرنسا الديمقراطية اليوم أن تعترف بكل بسالة وشجاعة كما كانت تفعل مع شعوب المستعمرات الرافضة للاحتلال، تقتيلا ونفيا وتعذيبا وسجنا وتدميرا وحرقا ونهبا وتشريدا عبر كامل تاريخها الاستعماري، وتعترف بمسؤوليتها عن وضعها الحالي مع الأقليات ذات الأصول الإفريقية وغير الإفريقية من مستعمراتها القديمة، وتقدم بشجاعة لا على تكريم “الحركة”، بل آباء وأجداد هؤلاء الضحايا، ضحايا الأمس واليوم. عليها أن تعرف كيف تسير تاريخها المعاصر، وما أقدمت عليه أثناء الاستعمار وما بعده من تفقير البلدان التي خضعت لهيمنتها أحقابا، وفي كافة القارات، بل ورغبتها الدائمة في إرغام الكل على الخضوع لثقافتها تحت ذريعة “الاندماج” الذي يعني الانحلال والذوبان.

مقالات ذات صلة