الرأي

اللعبة الشعبية والجدّ الشعبوي

مشكلة الكرة الجزائرية، وهي كما نعلم جميعا الرياضة الشعبية الأولى وربما الوحيدة في بلادنا، وأحيانا ترتقي إلى شغل الناس الأول قبل الأساسيات، لا تكمن في المستوى العام للعبة، الذي انهار كما لاحظنا في مباراة “الخضر” أمام غينيا، ولا في نقص الوسائل والإمكانات، وإنما في “الشعبوية” المتعفنة، التي ساهمت المنظومة العامة في تفشيها، من اللاعقاب والتساهل مع أمور خطيرة جدا، وصلت إلى حدّ سقوط قتلى وجرحى من لاعبين وأنصار ورجال أمن في قلب الملعب، الذي يحتضن مجرد لعبة كرة تتقاذفها الأقدام، من أجل قضاء وقت راحة، هو في الأصل، لا يختلف عن الراحة التي يطلبها إنسان في مشاهدة فيلم سينمائي أو مشهد مسرحي أو لوحة زيتية…

لم نسمع أبدا عن وزير رياضة، وما أكثرهم، ولا رئيس اتحاد كرة من عهد محمد معوش إلى وليد صادي، تحدّثوا – ولا نقول حاربوا – آفة سبّ أمهات الحكام والمدربين وحرّاس المرمى، ولا أحد أوقف هذه المهازل التي يصنعها مراهقون في الملاعب، بسبّ منطقة بأكملها، ومطاردة ترقيم سياراتها، وما يليها من فتن، وصلت إلى حدّ أن منع سكان ولاية ساحلية، سكان مدينة داخلية، بعائلاتها طوال الصيف من الاستجمام في شواطئ تلك الولاية الساحلية.

الكم الخطير من المهلوسات والمخدّرات التي يجري تعاطيها في الملاعب، والكمّ الساقط من سبّ الأعراض والذات الإلهية الذي يتداوله المناصرون، والكمّ المؤسف من الفتن التي تزرع خلال مباراة في لعبة تسلية، يجعلنا أمام خطر لا يمس رياضة كرة القدم فقط، وإنما أمن المجتمع بكل مقوماته الثقافية والحضارية والأخلاقية، ناهيك عن الزلزال الذي ضرب لعبة نعلم جميعا بأنها هي من تجمعنا في الأفراح، فنهلّل ونحتفل بالنشيد الوطني والأعلام الجزائرية، عندما يفوز المنتخب الوطني في أي مناسبة كروية دولية كبرى.

لا نفهم لماذا يتدخل والي ولاية ليعلن عن مجانية الدخول إلى الملاعب، ويسعى المسؤولون لأجل البحث عن شركات لتمويل هذا النادي أو ذاك، وتقدّم الدولة منشآت ساهمت لوحدها في إنجازها لمختلف الأندية “المحترفة”، ولا تطلب منهم مقابلا أخلاقيا صارما يرتقي بهذه اللعبة إلى محتوى مفيد للمجتمع، وتتحول شعبيتها إلى مشروع حضاري نسوّق من خلاله “نحن” الذين قدّمنا للإنسانية أروع الثورات، وحبانا الله بخير الثروات، وقاد أمتنا أروع الرجال.

اعتمدت مختلف المنظومات الرياضية والقضائية، على مدار عقود على “الكيّ”، في عملية معالجة هذه الكدمات التي ظلّت تطفو على جسد الرياضة الشعبية، فكانت الممتلكات العامة والخاصة تخرّب، ولا نسمع عن حبس فرد واحد، في أحداث يشارك في صنعها المئات، وكانت الأرواح تزهق، ويبقى الفاعل مجهولا، أو من دون متابعة، فكانت اللعبة تزداد شعبية، والجدّ يزداد شعبوية، إلى أن تحولت الكدمات إلى أورام تهدّد الجسد بالفناء، وحان زمن بتر كل جزء، رفض العلاج، أو لم ينفع معه الكي.

مقالات ذات صلة