-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
زيارات ومغازلات من قوى عظمى

الكبار يخطبون ودّ الجزائر واستقلال قرارها عزّز موقعها

محمد مسلم
  • 1064
  • 0
الكبار يخطبون ودّ الجزائر واستقلال قرارها عزّز موقعها
أرشيف
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون

في ظرف أقل من أسبوع، وقعت الجزائر والصين على الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”، واستقبلت منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي، بريت ماكغورك، فيما يحضر الرئيس عبد المجيد تبون لزيارة روسيا خلال الأيام القليلة المقبلة، وبالضبط قبل نهاية العام الجاري.
الجزائر إذن في قلب اهتمام ثلاثة من كبار وعظماء العالم، وهم كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا. بحكم التاريخ ومعطيات الراهن، الجزائر تبدو أقرب إلى روسيا والصين للاعتبارات الإيديولوجية والتاريخية والجيوسياسية، لكن للجزائر علاقات متميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لم تبدأ اليوم، وإنما تعود إلى حقبة الجهاد من أجل استرجاع السيادة الوطنية من الاحتلال الفرنسي البغيض.
متانة العلاقات الجزائرية الأمريكية يمكن الوقوف عليها من خلال التصريح الصادر عن منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي، بريت ماكغورك، الذي زار الجزائر الأسبوع المنقضي، والذي جاء فيه أن الشراكة بين الجزائر والولايات المتحدة “قوية جدا”، وذلك في أعقاب محادثات جمعته بالرئيس تبون، وتمحورت حول “الأوضاع في أوروبا وشمال إفريقيا”.
كل المسؤولين الأمريكيين الذين مروا على الجزائر خلال الأشهر الأخيرة، رددوا عبارة تكررت في أكثر من مرة، وهي أن الجزائر تعتبر بالنسبة إليهم حليفا استراتيجيا في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. يحدث هذا في الوقت الذي تعتبر الجزائر حليفا استراتيجيا لروسيا، الخصم اللدود للولايات المتحدة، بحكم الاعتبارات المتعلقة بالتسليح ومواقفها الأخيرة من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وهذا لا يختلف فيه اثنان.
وبهذا الصدد، يقول استاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، عبد الرزاق صاغور: “العلاقات الجزائرية الأمريكية معروفة بالاحترام المتبادل، وتجسد هذا في الاستثمار الأمريكي في قطاع الغاز المميع في الجزائر خلال سبعينيات القرن الماضي، وكان ذلك الاستثمار الأول من نوعه خارج الولايات المتحدة التي كانت تحتكر تلك التكنولوجيا”.
كما تحدث صاغور لـ”الشروق” عن الدور الذي لعبته الجزائر في تحرير الرهائن الأمريكيين بإيران في الثمانينيات، ولازالت واشنطن، يقول المتحدث، بحاجة الى الجزائر في إطار براغماتيتها، في المنطقة كقوة اقليمية، في تونس وليبيا ومنطقة الساحل.
ليس هذا فقط، بل إن الجزائر تعلنها بصراحة وبصوت عال، أنها ضد الممارسات الصهيونية في فلسطين، وضد مسار التطبيع الذي ترعاه الولايات المتحدة ذاتها، بل وتحارب تمدد هذا الكيان في القارة الإفريقية، كما فعلت مؤخرا بإفشال محاولة تل أبيب الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي بصفة عضو مراقب، وهو الكيان الذي يلهث وراء صداقته حتى الكبار، لإدراكهم مدى النفوذ الذي يتمتع به في الولايات المتحدة وفي مراكز صناعة القرار فيها.
وعلى الرغم من كل ذلك، تبقى الأصوات التي سمعت مؤخرا في واشنطن، تدعو إلى فرض عقوبات على الجزائر، تبقى أطرافا غير تنفيذية تنتمي للمؤسسة التشريعية، ما يعني أن تلك الأصوات تبقى مجرد صيحات هدفها التشويش لإرضاء لوبيات مكلفة بذلك لإرضاء من يدفع لها المال، كما هو معروف في العرف السياسي الغربي.
كل هذه المعطيات تجعل من العلاقات الجزائرية الأمريكية ذات خصوصية واستثناء، لا تنسحب على غيرها من علاقات واشنطن مع بقية الدول العربية الأخرى، فالعلاقات مع المملكة العربية السعودية، وهي الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة العربية، شهدت توترا مثيرا مع الأمريكيين قبل أسابيع في أعقاب قرار “أوبك +” خفض المعروض النفطي ضد الرغبة الأمريكية. وإن كانت العلاقات بين الرياض وواشنطن لها طابع خاص، إلا أن العلاقات مع الجزائر تبقى أيضا مهمة جدا بالنسبة لأمريكا، كما أكد المسؤولون الأمريكيون الذين مروا على الجزائر.
القضية برأي بعض المراقبين تتعلق باستقلال القرار الجزائري مقارنة بغيرها من الدول العربية، فهامش المناورة مثلا بالنسبة لنظام المخزن في علاقاته مع أمريكا، يكاد يكون معدوما، ويمكن الوقوف على ذلك من خلال تعاطيه مع الحرب الروسية في أوكرانيا، على مستوى الهيئة الأممية، ففي البداية حاول ممثل النظام المغربي اللعب على سياسة الكرسي الشاغر (التغيب عن التصويت) لتفادي مواجهة موسكو، غير أنه سرعان ما عاد مكرها إلى مربّعه وذاب في المعسكر الأمريكي.
الولايات المتحدة الأمريكية ليست الدولة العظمى الوحيدة من المعسكر الغربي التي تحاول تمتين علاقاتها مع الجزائر برغم عدم تقاسمهما المواقف ذاتها من بعض القضايا الحساسة، فالعديد من الدول الأوروبية تقوم بالدور ذاته تجاه الجزائر، ولاسيما في الآونة الأخيرة، وقد يكون لذلك علاقة بدبلوماسية الغاز التي باشرتها الجزائر مستغلة الظرف الراهن، وكانت إسبانيا من أكبر ضحاياها.
غير أن متابعين آخرين واستنادا إلى تحاليل وقراءات مخابر متخصصة، ينظرون إلى الجزائر على أنها قوة صاعدة يتعيّن التعاطي معها انطلاقا من حجمها، فهي أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة، وتتوفر على إمكانيات وموارد هائلة، يضاف إلى ذلك موقعها الجغرافي الاستراتيجي كبوابة رئيسية وجسر بين الشمال والجنوب، فضلا عن قدرتها الفائقة على الصمود في وجه التحديات التي اجتاحت المنطقة ونجت منها لوحدها، باستثناء النظام المغربي، الذي يعتبر مجرد محمية وموقع متقدم لتنفيذ مشاريع غربية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!