الرأي

القمح الأوكراني للبقر قبل البشر!

محمد سليم قلالة
  • 2610
  • 0

يزعم الغرب أنه يسعى لتصدير القمح الأوكراني خوفا على البلدان الفقيرة من المجاعة! وتبدو هذه الحجة منطقية في الظاهر عندما ننطلق من كون البلدان الفقيرة هي الأكثر اعتمادا على الحبوب لضمان معيشتها، إلا أننا عندما نعرف أن البلدان الغنية التي تعتمد في غذائها على البروتينات الحيوانية هي في الواقع أكبر المستهلكين للحبوب في العالم بطريقة غير مباشرة، تتبدل لدينا المعطيات وتبدو أقوال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صحيحة، عندما أعلن أثناء منتدى الشرق الاقتصادي المنعقد في فلاديفوستوك في 7 سبتمبر الماضي  أن 3% فقط من كميات القمح التي خرجت من أوكرانيا ذهبت إلى الدول الفقيرة.

حقيقة الأمر أن  أكثر الشعوب استهلاكا للحوم هي أكثرها استهلاكا للحبوب بطريقة غير مباشرة، وليس العكس، لذلك تأتي الدول الغنية في المقدمة وليست في آخر الترتيب، وهي التي تحتكر لحاجاتها من البروتينات الحيوانية أغلب إنتاج العالم وتتسبب بذلك وبطريقة غير مباشرة في الندرة المعروفة على الصعيد العالمي في هذا المجال سواء فيما يتعلق بتقليص المساحات المزروعة من القمح لصالح الذرة وعلف الحيوانات، أو في استهلاك أكبر كمية من المياه الصالحة للسقي في إنتاج أغذية الحيوانات على حساب أغذية البشر أو في ارتفاع أسعار هذه المادة الاستراتيجية!

تُبيِّن قائمة الدول الأكثر استهلاكا للحوم عبر العالم أن هناك فرقا شاسعا بينها والدول الفقيرة. يَستهلك الأميركي في المتوسط 315,5  غراما من اللحم في اليوم، والكندي 248.7 غراما والفرنسي 237.7 غ في اليوم، على سبيل المثال في حين لا يزيد استهلاك الفرد في بنغلاديش عن 11.3 غراما في اليوم، وفي غامبيا على 17.6 غراما في اليوم، وفي إثيوبيا عن 19.3 غراما يوميا، وقس على ذلك بقية الدول الفقيرة مقارنة بالغنية…

وإذا علمنا أن كل 100 سعرة حرارية نطعمها للحيوانات على شكل محاصيل صالحة للأكل للإنسان، لا نحصل منها في المتوسط سوى على 17-30 سعرة حرارية على شكل لحوم (slowfood.com)،  نعرف أي من البلدان تحتاج أكثر إلى حبوب أوكرانيا في العالم؟ ونجد تفسيرا لذلك التباكي على الفقراء الذين لا غذاء لهم سوى البروتينات النباتية وفي الحدود الدنيا…

وإذا أضفنا إلى هذا أن أكثر من 30٪ من أراضي المحاصيل العالمية هي مخصصة لإنتاج أعلاف الماشية (حوالي مليار طن)، معظمها من فول الصويا والذرة لإنتاج اللحوم،، وأن المساحة المخصصة لإنتاج الحبوب المخصصة للماشية في دول الاتحاد الأوروبي وحدها تصل إلى 60٪ من مجمل الأراضي المخصصة لإنتاج الحبوب! وأن 23٪ من المياه العذبة المتوفرة على كوكب الأرض مخصصة لتربية الماشية، (حسب ذات الموقع)، يتبين لنا حقيقة مَن يتسبب في مجاعة العالم ومن يحتاج إلى حبوب أوكرانيا أكثر الفقراء أم الأغنياء؟ البشر أم البقر؟

ولا عجب أن نصل وفق هذا المنطق إلى وجود 900 مليون من الجوعى عبر العالم، يتباكى عليهم 1.9 مليار من آكلي اللحوم أصحاب الوزن الزائد، وبما أن معظم هؤلاء السِّمان من العالم “الديمقراطي” و”الحر” كما يسمون أنفسهم، فإنهم لا يتوقفون عن اتهام “بوتين” بالدكتاتورية وهو الذي أعلن بالأمس استعداد بلاده لتزويد الفقراء بما يحتاجونه من حبوب ومجانا…

مقالات ذات صلة