الرأي

القتل‮ ‬بالأسلحة‮ ‬الكيماوية‮ ‬محظور‮ ‬وبالتقليدية‮ ‬مباح

حسين لقرع
  • 3442
  • 11

عاد‮ ‬الحديثُ‮ ‬مجدداً‮ ‬في‮ ‬الآونة‮ ‬الأخيرة،‮ ‬عن‮ ‬إمكانية‮ ‬توجيه‮ (‬الناتو‮) ‬ضربات‮ ‬عسكرية‮ ‬إلى‮ ‬سوريا‮ ‬على‮ ‬خلفية‮ ‬مجزرة‮ “‬الغوطة‮” ‬التي‮ ‬ارتكبت‮ ‬بالأسلحة‮ ‬الكيماوية‮ ‬وأودت‮ ‬بحياة‮ ‬قرابة‮ ‬1500‮ ‬سوري‮.‬ وكعادة الغرب، فقد سارع إلى توجيه الاتهام للنظام السوري باستعمال الأسلحة الكيماوية والتورط في المجزرة، ومن ثمة، عاد ليهدّد بضربه، وهو ما تأمله المعارضة السورية منذ وقت طويل، أملاً بأن يساعدها ذلك على الإطاحة بالنظام أو إعادة التوازن العسكري بينها وبينه، بعد‮ ‬أن‮ ‬اختلّ‮ ‬ضدها‮ ‬في‮ ‬الأشهر‮ ‬القليلة‮ ‬الماضية‮.‬

   ولكن إذا صحّ ما أوردته تقارير صحفية صهيونية، بأن الولايات المتحدة تنوي رفقة حلفائها توجيه ضرباتٍ محدودة إلى سوريا تقتصر على المخازن الثمانية لأسلحتها الكيماوية، فإن تدميرها لن يفيد المعارضة المسلحة كثيراً، بل قد لا ينفعها في شيء كما لم تُفدها من قبل الضرباتُ الصهيونية لمواقع عسكرية محدّدة في دمشق؛ فالنظام لا يراهن أصلاً على هذا النوع المحرّم من الأسلحة لإبادة المعارضة المسلحة، بل يراهن على أحدث الأسلحة الروسية والصينية وحتى الإيرانية، من طائرات وصواريخ ودبابات ومدفعية… وقد ظل النظامُ يروّج في الفترة الأخيرة لهذه الفكرة، مؤكداً أنه لم يكن بحاجة إلى ضرب مواقع المعارضة في “الغوطة” بالكيماوي، ما دامت الأسلحة التقليدية تستطيع أن تُحدث نفس الأثر أو أكثر، دون أن يؤلب ذلك العالمَ كله ضده، وهو طرحٌ يبدو وجيهاً لأي متابع مُنصف موضوعي.

 

   المثيرُ في الموضوع أن الحرب الأهلية الطائفية المستمرة منذ عامين ونصف عام في سوريا، أفضت إلى مقتل أكثر من 100 ألف إنسان، دون أن يدفع ذلك الغربَ إلى التهديد الجدي بالتدخل عسكرياً للإطاحة بالنظام القائم، وإيصال المعارضة الموالية له إلى الحكم، لأنهم قُتلوا بمختلف الأسلحة التقليدية، أمَا وقد سقط الآن نحو 1500 قتيل بالسلاح الكيماوي المحرّم دولياً، فقد بات الغربُ يهدِّد بالتدخل قريباً، ولكنه يلوّح إلى أن تدخله سيكون محدوداً وسيقتصر على ضرب مخازن الأسلحة الكيماوية السورية، ثم ينسحب ليترك الحرب الأهلية تتواصل في هذا البلد أشهرا أو سنوات أخرى، ولا بأس لدى الغرب أن يُقتل مئاتُ آلاف آخرين ما دام ذلك يتم بالأسلحة التقليدية، وكأنّ قتل المئات أو الآلاف بالأسلحة المحظورة غير مقبول، أما قتل مئات الآلاف بالأسلحة التقليدية فهو أمرٌ مقبول.

   هذه النظرة تؤكد أن الغرب لا يهمه سيلانُ دم السوريين أنهاراً، ولا مقتل مئات الآلاف ولا حتى الملايين منهم، فهم مجرد أرقام لا تعني له شيئاً لأن الضحايا ليسوا صهاينة أو غربيين.. ما يهمّ الغربَ تحديداً هو فقط أمنُ الكيان الصهيوني؛ فمنذ الكشف عن امتلاك سوريا أسلحة كيماوية والتلويح بـ”استعمالها لصدِّ أيّ عدوان عسكري خارجي” والولايات المتحدة تتوجس منها خيفة وتهدد بالتدخل عسكرياً لتدميرها، ويبدو أن مجزرة “الغوطة” قد جاءت في الوقت المناسب لتمنح لها الذريعة التي كانت تنتظرها لفعل ذلك الآن، بل يبدو أن الظرف قد أُختلقَ لتبرير التدخل العسكري المنتظر، كأن تكون أيد صهيونية وراء مجزرة “الغوطة” لتوفير الذريعة للتدخل العسكري الأمريكي، فهذه المذبحة لا تخدم النظامَ السوري ولا المعارضة المسلحة، وليس من مصلحة أي منهما ارتكابها لأن اكتشاف تورّطه سيعني سقوطه الحرّ ونهايته، وتؤكد القاعدة‮ ‬أنه‮ ‬لدى‮ ‬حدوث‮ ‬أي‮ ‬جريمة،‮ ‬فيجب‮ ‬البحثُ‮ ‬دائماً‮ ‬عن‮ ‬المستفيد‮ ‬الأول‮ ‬منها‮ ‬لمعرفة‮ ‬لصاحبها‮.‬

مقالات ذات صلة