-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القابلية لرفض الاستعمار

عمار يزلي
  • 1020
  • 0
القابلية لرفض الاستعمار

ضمن فلسفة علم النفس الاجتماعي، عادة ما نجد الفعل يقابله رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه، وهو في الأساس قانون مادي يدرَّس حتى في الفيزياء الحركية.

عندما تحدَّث مالك بن نبي عن “القابلية للاستعمار”، قابله الكثير في البداية ممن لم يفهموا مالك بن نبي وفلسفته، بنبرة من النخوة المزايِدة على الواقع التاريخي والسياسي للعالم للإسلامي منذ سقوط آخر معقل لملوك الطوائف، أو ما يسميه مالك بن نبي “الإنسان ما بعد الموحّدي”.

في الواقع، أن “القابلية للاستعمار”، تقابلها من جهة أخرى كرد فعل “القابلية لرفض الاستعمار” ومواجهته ومقارعتها بكل الوسائل المتاحة.

هذا ما لاحظناه عبر كل الحقب التاريخية البعيدة والقريبة في تاريخ الإنسانية ككل وفي التاريخ الإقليمي والقاري، وتحديدا في شمال وجنوب القارة الإفريقية.

الشعوب، بقدر ما غُلبت على أمرها، كما غُلبت الرومُ في أدنى الأرض بعد غلبتها على يد الفرس، ستجد لنفسها مخرجا من حيث لا يحتسب المستعمِر، سواء كان هذا المستعمِر، مستعمِرَ الأمس أم اليوم: في فلسطين وفي الصحراء الغربية وفي إفريقيا وباقي آثار الهيمنة الاستعمارية وحتى بقايا من آثار العبودية والإقطاعية التي تزال آثارُها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية متوارثة ممثلة في ما يسمى سوسيولوجيًّا “التمثلات الثقافية”، ومنها التمثلات الدالة على تاريخ الخنوع والشعور بالدونية لدى طبقة أو فئة أو شريحة معينة من الناس في إقليم أو دولة محددة كعينة اجتماعية عانت من الاضطهاد العنصري والاستعماري وأحيانا العبودية الفجة غير الإنسانية التي انطبع بها المجتمع الطبقي في العهد العبودي والإقطاعي.

هذا الشعور لم يتلاش حتى مع عهد ظهور الرأسمالية المبشِّرة بالحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان، كون الاستعمار زاد من ضراوته بعد الرأسمالية وليس قبل، وخير على ذلك تغول الرأسمالية الإمبراطورية لتتحول إلى نظام عالمي اليوم معلنة نفسها مبشِّرا ونذيرا مهددا ومتوعدا.. كل ذلك من آثار الشعور بالفوقية والسمو السيادي.

الشعور بالدونية لدى فئة أو شريحة أو طبقة في المقابل، عادة ما يورَّث لأجيال، إذ يقترن الخوف والطمع مع بعض تجاه المستعمِر والمستعبِد ليتحول إلى “حب” من نوع خاص: حب الخوف والطمع، ويبقى العبد والمستعبَد يشعر بامتنان تجاه سيده صاحب المنة والشفاعة، المالك لرقبته: ممتن له لارتباط مصير حياته وموته بيد سيده المطلق. هذا ما حدث مع فئات من الشعب التي ارتبطت مصالحها في آخر المطاف بمستعمِر ومستعبِد الأمس، وعادة ما تكون هذه الفئة من أصحاب المصالح الذين يفضلون التذلل للحفاظ على مصالحهم. غير أنه، وحتى ضمن هذه الفئة من زبدة القوم، نجد في كل الحالات، عناصر تخرج عن الطاعة الاستعمارية والاستعبادية، لتشكل في ما بعد نخبة رافضة للهيمنة، ثائرة مقاوِمة لهذا الوضع، وهذا ما يجعلنا نسمى هذه الحالة “القابلية لرفض الاستعمار”.

ما يحدث في إفريقيا اليوم، وعلى حدودنا الجنوبية، والتي عانت كلها من تاريخ مظلم من العبودية والاضطهاد لقرون من الزمن، يؤكد أن شعلة الفانوس التي كادت أن تخبو أو تنطفئ فترة ما بعد وهج الاستقلال، سرعان ما عادت للتوهج فتائلها وتعلن إفريقيا المستعمَرة قديما المستعبَدة تاريخيا، أنها لن تقبل بالعبودية وسماً وبغير السيادة الكاملة لا منقوصة وشما، هذا في حين يتواصل فكر “القابلية للاستعمار” كفكر وتمثُّلات وممارسة لدى كثير من النخب السياسية والاجتماعية الإفريقية، مدنية كانت أو عسكرية، على أساس أنه قبول بالأمر الواقع الذي لا يمكن الإفلات منه. غير أن الإفلات منه ممكنٌ اليوم وغد. و”إذا أردنا.. استطعنا”..يقول المثلُ الفرنسي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!