الجزائر
التئام المنتدى الجزائري الفرنسي للشراكة الصناعية

الفرنسيّون لم ييأسوا من تحويل الجزائر إلى سوق لمنتجاتهم

محمد مسلم
  • 9401
  • 0
أرشيف

لا تيأس فرنسا من العمل لأجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في الجزائر، حتى بات لدى مسؤوليها شعور راسخ بأن الحظوة التي كانت تتمتع بها إلى وقت قريب على أكثر من صعيد، لم تعد موجودة بالكيفية التي لطالما حاولت تكريسها على مر السنين، مدفوعة بنوع من الوصاية تعود إلى اتفاقيات إيفيان: “الجزائر دولة مستقلة متعاونة مع فرنسا”.
هذا “التعاون” فقد الكثير من معانيه على مر العقود، بعد ما تأكد لدى السلطات الجزائرية أن باريس تتخذ من هذا العنوان مدخلا لتكريس هيمنتها على الاقتصاد الوطني، عكس منطق “رابح رابح”، الذي يفترض أن يكون هو المعيار في أي شراكة، أو هكذا يقول كل المسؤولين الفرنسيين عندما يزورون الجزائر.
وبعد نحو أربع سنوات من الاضطراب الذي طبع العلاقات الثنائية، وخسرت فرنسا خلالها الكثير من مصالحها في الجزائر، ها هي اليوم تحاول جس النبض، وهي تأمل في أن تتمكن من استدراك ما ضيعته بسبب أنانية مسؤوليها، الذين لا يزالون يعتقدون أو ينظرون إلى الجزائر على أنها مجرد “بقرة حلوب”.
وفي هذا السياق، جاء التئام الطبعة الرابعة للمنتدى الجزائري الفرنسي للشراكة الصناعية، الذي نظمه “بيزنس فرنسا الجزائر”، تحت إشراف السفير الفرنسي بالجزائر، ستيفان روماتي، الثلاثاء 04 جوان 2024.
وجاء في تغريدة للسفارة الفرنسية على حسابها في منصة “إكس” (تويتر سابقا)، أن هذا الملتقى يشكل “فرصة لتشجيع المؤسسات الفرنسية الإثنتي عشرة الناشطة في الصناعة والتي تنقلت إلى العاصمة من أجل التباحث مع أكثر من 200 فاعل اقتصادي جزائري”.
وتشارك الحاضرون في الاجتماع الذي نظم بالعاصمة الجزائر “طاولات مستديرة تتعلق بالآلات والمعدات الصناعية، الصناعة الصيدلانية، التغليف والنسيج، الهندسة، التحول الطاقوي، وكذا تمويل المشاريع والتنظيمات وغيرها من المواضيع”، وفق الممثلية الدبلوماسية الفرنسية في الجزائر.
ويشكل حضور السفير الفرنسي هذا النشاط ذا الطابع الاقتصادي، إشارة إلى وجود رغبة جامحة لدى الطرف الفرنسي من أجل إعادة إحياء الزخم الاقتصادي لباريس في الجزائر، والذي تراجع بشكل كبير لصالح متنافسين قدماء مثل الصين، وجدد مثل تركيا، التي أصبحت مستثمرا كبيرا في الجزائر يزاحم تجربة وخبرة العملاق الصيني.
وتوجد في الجزائر نحو 250 شركة فرعية مملوكة لرأس المال الفرنسي بنسبة أعلى من 50 بالمائة، باستثمارات تراكمية تبلغ 3 مليارات أورو، بالإضافة إلى المئات من الشركات الفرنسية المملوكة بنسبة أقل من 50 بالمائة من رأس المال الفرنسي، حسب تصريحات صادرة عن رومان كيرافال، مدير “بيزنس فرنسا الجزائر”.
أما السفير الفرنسي فيرى أن حجم التجارة بين البلدين والبالغ نحو 11.8 مليار أورو في 2023، والذي ارتفع بنسبة قدرها 5.3 بالمائة مقارنة بالسنة التي قبلها، وهو الرقم الذي لم يرق إلى طموحاته، بالنظر إلى العلاقات التاريخية بين البلدين وكذا وضع الجزائر كشريك تاريخي لفرنسا.
غير أن أي تطور في العلاقات الاقتصادية بين أي بلدين، يتعين أن تكون هناك جدية ومصداقية ومكاشفة، وهو الأمر الذي يبقى غائبا في الحالة الجزائرية الفرنسية، التي تبقى رهينة تراكمات أليمة للماضي الاستعماري، والذي لم يتمكن المسؤولون الفرنسيون ولوبيات الضغط في باريس من تجاوز هذه العقبة بتحمل مسؤوليات الدولة التي لا يمكن أن تسقط بالتقادم، كما هو معروف.
كما أن معاكسة فرنسا الرسمية لبعض المصالح الحساسة للدولة الجزائرية يقف حجر عثرة أيضا أمام التقدم على الصعيد الاقتصادي، فالموقف الفرنسي من القضية الصحراوية التي تعتبر امتدادا للأمن القومي للجزائر، لا يشرف العلاقات الثنائية كما يحاول الجانب الفرنسي تصويرها في كل مرة على لسان أكثر من مسؤول.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يبقى تراكم الأنانية لدى باريس في العمل من أجل إبقاء الجزائر مجرد سوق للسلع الفرنسية، يشكل عائقا آخر لا يقل أهمية عن العائق السالف ذكره، فمصنعو السيارات الفرنسية يبيعون في الجزائر أكثر مما يبيعونه في القارة الإفريقية برمتها، ومع ذلك أقاموا مصانع كبيرة لهم في دولة مجاورة، لكنهم عندما يزورون الجزائر يتحدثون عن الشراكة وعن منطق “رابح رابح”، وهي العبارات المنمقة التي لم يعد لديها أي معنى عند المسؤولين الجزائريين.

مقالات ذات صلة