الشروق العربي
صيحة الشروق

العدل أساس الملك

عمار يزلي
  • 29
  • 0

منذ 19 جوان 1965، كل ما تأسس على قاعدة غير دستورية، صار في ما بعد عنوانا للثورة المضادة، حتى إنه، على الرغم من اعتبار حدث 19 جوان 65، تصحيحا ثوريا وليس انقلابا ضد الشرعية القائمة، بات العمل على إسقاط النظام القائم عبر وسائل غير ديمقراطية مرفوضا ومدانا، مهما كانت المسميات والنعوت.

منذ ما سمي بالتصحيح الثوري، الذي أطاح بأول رئيس للجمهورية المستقلة، الراحل أحمد بن بلة، وطيلة عقد كامل في ما بعد، بقيت الجزائر تحت قيادة مجلس الثورة، كما سمت نفسها المجموعة التي قادت عملية تحويل مسار الحكم سياسي الناتج عن تداعيات الخلافات الداخلية بين القيادات، التي ظهرت إلى العلن من رحم قيادة الثورة الجزائرية، ضد الاحتلال الفرنسي. تحول، لا يمكن أن نقول عنه جذريا أو ثوريا، لأنه لم يعدُ أن يكون تحولا على مستوى رأس الهرم السياسي. تحول وتغير وانتقال غير دموي ولا عنيف بالمرة، شخصاني أكثر من كونه مؤسساتيا أو تحولا جذريا في التوجه السياسي والإيديولوجي. فقد كان الحدث فقط، انتقال الحكم بين الأفراد والمجموعات ضد الإخوة، كما لو أنه كان خلافا على التركة، كيف تسيّر بين الورثة، وليس اختلافا في وجهات النظر، لدى ورثة الثورة المسلحة. اختلاف ولد خلافا، دون أن يمس بالعمق والمنهج السياسي العام.

· هكذا، وجدت الجزائر المستقلة المتعثرة المتغيرة، كل يوم وكل شهر وكل سنة، تبحث عن قيادة يقول عنها د. محمد الزعبي، الذي كان وزيرا للإعلام في بداية السبعينيات في سورية، أحد كبار علماء علم الاجتماع، من أستاذتنا ومنهم أيضا، د. زكريا خضر ود. حنا، كانوا يقولون لنا: “إنها نوع القيادة التي نبحث عنها في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، المتقلبة والمستقلة حديثا، التي تتطلب “مستبدا عادلا”، وليس نظاما ديمقراطيا، على شاكلة الأنماط النخبوية الرأسمالية في ديمقراطية الغرب”.

مفهوم “المستبد العادل”، في علم الاجتماع السياسي العربي، هو مصطلح له ما له وعليه ما عليه، في ظل تجربة ما كان يسميه البعض في دول المشرق العربي من علماء الاجتماع ومن أساتذتنا الذين درسنا على أيديهم نظريات علم الاجتماع السياسي، ومنهم د. حنا، “نمط الاستبداد الشرقي”، خلال العهد العثماني في المشرق والمغرب، أو ما كان يسمى نمط الإنتاج الآسيوي، لدى النظرية الماركسية المتأخرة، التي بنيت على قواعد النظرية الكلاسيكية.

تمكنت الجزائر، بفشل جوهر ثوريتها، أن تتغلب على كل صعاب مراحل الانتقال ما قبل 19 جوان 65 وما بعده، لتصل بعد عدة عقود إلى تجديد النفس الثوري، لكن برؤية ومنهج دستوري تعددي، يزاوج بين المتناقضات ويؤسس لنظام جزائري ديمقراطي شعبي دستوري، على قاعدة الإرث الثوري والوفاء لتضحيات الشهداء وأجيال من المقاومات والثورات والانتفاضات، التي صبت كلها اليوم في مشروع بناء الجزائر الجديدة..

مقالات ذات صلة