الرأي

الصهاينة يهزمون أنفسَهم

بلغت حرب الإبادة في فلسطين من الضجر والجنون عتيا، لا شيء تحقق فيها للصهاينة، غير تلطيخ  صورتهم التي “زيّنوها” منذ ست وسبعين سنة بأحمر المجازر وسواد المآسي، وإذا كانت المقاومة العزيزة قد لقَّنتهم درسا في فنون الحياة والموت أيضا، فإنهم ساهموا بخبلهم وانتفاخهم الفُقاعي في هزم أنفسهم بأنفسهم.

لم تشبه الحرب الدائرة في فلسطين، بقية الحروب العربية الصهيونية، التي كانت تبدأ بالهذيان وتنتهي بالخذلان، فالفلسطينيون أبانوا عن تمسكّهم بأرضهم الأزلية، بينما بدا بيت الصهاينة أوهنَ مما كان يتوقع أشد الناس احتقارا لهذا البنيان الزائل.

ما قاله القائد الصهيوني السابق لفرقة غزة، من أنّ “الجيش يتخبط في مستنقع جباليا وحي الزيتون، ومن الواضح بأنه لن يحقق أي شيء”، وما قدّمه وعدّه المعارضون لنتنياهو، رثاءً لما خسرته إسرائيل في هذه الحرب المسعورة، من قصور أحلام نحتها بن غوريون وبيغن وغولدا مايير وشارون وشامير، انهارت الآن، وسيكون من المستحيل معاودة بنائها، هو وصف دقيق لفيروس عاش لبعض الوقت، وبدأ يفقد مناعته.

كانت قوة الإسرائيليين في حروبهم السابقة، وحدتهم التي صنعت دائما الفارق، ولكنهم في هذه الحرب تصادموا، وما عادوا يتحدون حتى في اجتماعات مجلس الحرب، فيدخلوها عابسين، ويخرجوا منها كاظمي غيظ، على حافّة الانفجار، كما اعترف إعلامهم.

لن نبخس المقاومة حقها ولا الشعب صبره، ولهما بالتأكيد يد في حالة الهذيان التي جعلت الصهاينة يسقطون في الوحل، فقد صرنا نشعر بصبر السنوار وهدوئه في مركز العمليات المخفي، وبخبل نتنياهو، وهو يتنقل شمالا وجنوبا ويكرر الكلام ذاته، فلا تختلف حالته المرضية عن أي مختلٍّ عقليا، ونستمتع برزانة أبي عبيدة وهدوئه، وأيضا بتوتر غالنت، وكلها مؤشرات تقربنا جدا من انتصار المقاومة، والمقاومة وحدها، وهزيمة الصهاينة ومن تبعهم.

لم يكن العالم في شهر أفريل من سنة 1945، بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وخسارة النازية، في حاجة لمطاردة أدولف هتلر ومحاكمته وإعدامه، فقد قتل الرجل نفسه، وهي في الغالب، نهاية الطواغيت والدول الظالمة، وسيكون مصير هذا الكيان انتحارا على مراحل، وواضح بأن المراحل الأولى تابعناها في أيام هذه الحرب، التي كشفت بأنّ مخترع أكذوبة “الجيش الذي لا يُقهر”، إنما كان يطبِّق مقولة جوزيف غوبلز، ذراع هتلر الأيمن، الذي كان يردد في فرح وهذيان: “اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس”، وانكشفت الكذبة، فانتحر غوبلز بتعاطيه حبوبا سامة وانتحر هتلر بالرصاص، وها هو الكيان النازي الجديد ينتحر في كل دقيقة ويوم، معنويا إلى أن يزول بيديه، كما نحت نفسه من العدم بيديه.

عبقرية المقاومة هي التي تجبر المستعلي على الصَّغار، وتحوّل اعتزازه بالإثم إلى ذلٍّ وهوان، والإعلام العبري نفسه، صار يؤكد بأن “النيران الصديقة” ما عادت تطلق نارا فقط على نفسها، بل تطلق أيضا الخيبات والأزمات النفسية واليأس وفقدان الثقة في النفس.

مقالات ذات صلة