الجزائر
إقبال لافت للجزائريين على "الإكسسوارات" الصينية لأسعارها المتدنية

..الصناعات التقليدية في خطر!

وهيبة سليماني
  • 4589
  • 0
أرشيف

يتخوّف الكثير من حرفيي صناعة الحلي والمجوهرات الذهبية والفضية من اختفاء الحلي التقليدية، التي لطالما اشتهرت بها مناطق جزائرية، وميّزت أعراسها وأفراحها، وتزيّنت بها النساء منذ زمن طويل، ولم تتخل عنها. فرغم توريث هذه الحرفة أبا عن جد، إلاّ أنّ الحرفيين اليوم، أمام وضع اقتصادي صعب جعل ما تصنعه أناملهم مجرد تحف يكتنزها البعض ولا يشتريها إلا الأثرياء.
“الشدة” التلمسانية، المكوّنة من 15 سلسلة تسمى “زرارف”، ومحزمة “اللويز” القسنطينية، والخلخال الداودي، والدح والمشرف، والمدرق، والشماسة أو البزيم أو المدور النايلي، وغيرها من الحلي التي بقيت منذ قرون تتحدى الظروف والفترات التاريخية المتقلبة في الجزائر، وورّثها الأجداد لأبنائهم وحافظ عليها الأحفاد إلى أن عجزت الكثير من النساء الجزائريات اليوم عن امتلاكها والتباهي بها في الأفراح والأعراس، وخاصة بعد أن غطت جائحة كورونا بظلالها عن هذه المناسبات السعيدة، وتدني المستوى المعيشي إلى درجة التخلي قسرا عن تقاليد كان تجاوزها من “العيب” أو من السلوكيات الشاذة، ففي قسنطينة وتلمسان وأولاد نايل والشاوية وغيرها من المناطق كان لا يمكن للعروس أن تتجاهل التزين بها وامتلاك بعضها.

حرفيون يمتنعون عن بيع حلي نادرة لا تقدر بثمن
وكشف صاحب المجموعة النادرة لحلي أولاد نايل بالجلفة، بلخضر شولي، عن سرّ محافظة عائلته “شولي” على حرفة صناعة المجوهرات والحلي الفضية والذهبية، منذ قرنين، حيث تعلمها جده سنة 1875، وورثها والده سنة 1902، ليفتح هو في الأخير عينيه عليها سنة 1931، وعلمها في الأخير لابنه وهو شاب لم يتمكن من إيجاد زبونات لحلي تقليدية قديمة لأولاد نايل.
وأكّد بلخضر شولي أنه يملك مئات القطع الفضية والذهبية وهي تصاميم لحلي قديمة وصل عمر بعضها القرنين، منها الدح والمشارف وهي حلقات تزين الجوانب فوق العصابة والقلادة كبيرة الحجم ذات الوعاء الفضي المستطيل وسلسلة الخمسة والخلالات المربوطة بالسلسة المعروفة باسم “الجازرون”، والبزيمة “الشماسة”، والتحف الذهبية مثل المشبوك أو السوار الذهبي.
وأوضح شولي أن الكثير من الحلي القديمة لمناطق جزائرية مثل أولاد نايل لم تصبح وظيفية، وقد كانت المرأة ترتديها قديما لتمسك بها قطع القماش أو مناطق في لباسها أو كرمز وعادة لا يمكن التخلي عنها.
وأهم القطع الفضية التي تعكس الإرث التاريخي الثقافي والاجتماعي لمنطقة أولاد نايل ما يسمّى بسوار “الأنياب” الذي يحمل دلالات ورمزية اجتماعية، علاوة عن دورها كزينة، فإن ارتفاع عدد الأنياب على السوار، يعطي المكانة لحاملته، وهي من 3 أنياب إلى 25 نابا، حسب درجة المكانة.
وقال لخضر شولي إن صناعة الحلي تعرف تراجعا ملحوظا بسبب غياب اليد العاملة، وعزوف النساء عن شرائها، بحكم ارتفاع أسعارها، مع الزيادة في سعر الذهب والفضة، موضحا أنّ الوضع الاقتصادي ينعكس بالضرورة على حرفة الحلي لأنها من الكماليات وترتبط بالرفاه والحياة العادية بعيدا عن مشاكل الغلاء وتدني المستوى المعيشي.
وعبّر الكثير من الحرفيين الذين شاركوا، خلال الأسبوع الماضي، في معرض الحلي التقليدي الجزائري بقصر الثقافة مفدي زكريا بالعاصمة، عن تخوّفهم من فقدان المجموعات النادرة التي يمتلكونها، التي تجاوزها عمر بعضها 200 سنة، حيث تعلقت بها قلوبهم إلى درجة أنها باتت تحفا فنية لا يمكن أن يقبلوا بيعها بأي ثمن.
وقال في السياق، سفيان بن منصور، حرفي صناعة المجوهرات التقليدية بتلمسان، إن والده حرص على أن يورثه الحرفة التي تعلمها عن يهودي سنة 1953، مشيرا إلى أن بعض الحلي لا تزال تحتفظ بها عائلته، منها الشدة الذهبية التي يبلغ وزنها 15 كلغ، المقدر سعرها حاليا بنحو 150 مليون وهي مكوّنة من 10 زرارف “سلسلة” كل واحدة تقدر بـ15 مليونا، حيث يتم كراؤها للمقبلات على الزواج بمبلغ يصل إلى 8 ملايين سنتيم.

الإكسسوارات المستوردة “تدخل” حليّا صمدت لقرون إلى المتاحف
ونظرا للارتفاع الفاحش في سعر الذهب والفضة، والتزام بعض العائلات في كل من قسنطينة وتلمسان، والعاصمة، ومنطقة القبائل بالعادات والتقاليد المتعلقة بالأعراس، فإن الحلي والمجوهرات التي تعوّدت أن تضعها العروس ليلة زفافها، باتت تكلف إلى درجة اللجوء إلى كرائها للتباهي بها وإرجاعها إلى أصحابها.
وأكّد في هذا الصدد، سفيان بن منصور، أن الشدة التلمسانية المصنوعة من الذهب لم تعد في متناول أغلب العائلات، الأمر الذي أدى إلى إقصائها من قائمة الصناعات الحرفية في الوقت الراهن، حيث إنّ سعر المصنوعة من “البرونز” يصل إلى 25 مليونا، وإذا أرادت إحدى المقبلات على الزواج أن تضعها في حفل زفافها، وتعيدها إلى المحل عليها، حسبه، أن تدفع ضمانا لا يقل عن 6 آلاف دج.
ويرى سفيان بأن تصاميم حلي تلمسانية أخذت إلى الصين، حيث تم تقليدها بطمس بعض المعالم، وتصديرها عبر عدة إكسسوارات للجزائر، وهو ما يهدد التراث التقليدي بالاندثار.
وأكدت رئيسة جمعية الناصية لترقية المواهب والحفاظ على التراث النايلي، نادية بن مشية، أن النساء الجزائريات لم يعد بمقدورهن الحفاظ على الحلي التقليدية، كما أن بعضهن لا تلقي لهذا النوع من الحلي اهتماما، خاصة في ظل اجتياح السوق الجزائرية بإكسسوارات الفنتازيا الآسيوية والتركية التي تباع بأسعار متدنية.
وفي نفس السياق، قال الحرفي بلخضر شولي، صاحب مجموعة الحلي النادرة، إن الصناعة التقليدية مهمة في الحياة الثقافية والاجتماعية، وهي تراث شعبي يميز كل منطقة من المناطق الجزائرية، كما أنها بصمة تاريخية، حيث تعتبر سرقة التصاميم أو أخذها إلى دول آسيوية وتقليدها، وبالتالي طمس بعض تفاصيلها، في صناعة إكسسوارات الفنتازيا يهددها بالاندثار.
واحتج الحرفي على “التلاعب بالموروث الاجتماعي والثقافي”، حيث يرى بأن هناك سرقات محلية وأخرى دولية تهدد مستقبل الحلي التي تميز كل منطقة جزائرية، خاصة أن بعض المحافظين على مجموعات فنية من الحلي تتقدم بهم السن ويضطر بعضهم إلى بيعها بأرخص الأثمان لسد حاجيات ضرورية في ظل الغلاء الفاحش.
وأوضح أن بيع بعض التصاميم التقليدية الضاربة في عمق التاريخ الجزائري، المصنوعة من الذهب والفضة، إلى أشخاص لا يعرفون قيمتها، يجعلهم يقومون بتذويبها واستعمال سبائكها في صناعة حلي عصرية.

المتاحف الدولية ومنصات الرقمنة للمحافظة على موروث الحلي
وطالب حرفيو صناعة الحلي والمجوهرات، بتسهيلات من طرف الدولة لإقامة عروض في الخارج تمكنهم من التعريف بحلي قديمة يمتلكونها وتقديم أدلة دامغة على أن كل واحدة منها تمثل منطقة ما في الجزائر.
وقال بوعلام حرفي من قسنطينة، إن خوفهم من اندثار بعض الحلي في ظل الأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية المتدنية للكثير من الأسر الجزائرية، جعلهم يروّجون لها عبر المنصات الرقمية، لعلهم يجدون من يطلبها وتبقى حية تتداول إلى غاية تحسن الأوضاع وتحقق الرفاهية في المجتمع الجزائري وتعود العائلات إلى إحيائها عبر أفراحها وأعراسها.
وفي السياق، أكد بلخضر شولي أن ابنه لم يعد يصنع تلك الحلي الخاصة بالمنطقة لأنها غير مطلوبة، ولن يربح منها، مؤكدا أن مجموعته النادرة يحتفظ بها عبر العالم الرقمي، ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الخاصة.
ودعا سفيان بن منصور حرفي من ولاية تلمسان، السلطات المسؤولة إلى فتح مجال المشاركة الدولية في عرض تحف الحلي التقليدية في المعارض، والمشاركة في العديد من الدول، خاصة بعد أن أصبحت الإكسسوارات الصينية تلقي بظلالها على كل ما له خصوصية محلية.

مقالات ذات صلة