جواهر
جميع إخوتها سقطوا في ميدان الشرف

الشهيدة الحية.. نجت بأعجوبة بعد ما ذبحت رفقة زوجها

صالح سعودي
  • 13422
  • 20
الشروق
المجاهدة أم هاني بوستة

تعد أم هاني بوستة من بين المجاهدات الرائدات في أعماق منطقة الأوراس، حيث واكبت مسيرة التحضير للثورة وهي صغيرة، ونشأت في محيط أسري لعب دورا كبيرا في محاربة المستعمر وأعطى درسا في التضحية والدفاع عن الوطن، كما تعاملت عن قرب مع أبرز قيادات الثورة السياسية والعسكرية التي تمركزت في المنطقة على غرار بن بولعيد، حسين برحايل، لخضر بن طوبال، عمار بن عودة وغيرهم.

وخلال الزيارة التي قمنا بها إلى منزل المجاهدة الفذة أم هاني بوستة ببلدية تكوت التابعة إداريا لولاية باتنة، أجمع الكثير على شجاعتها، وتضحياتها في سبيل خدمة الثورة، خصوصا وأنها نشأت في أسرة أنجبت عدة مجاهدين كانوا في الموعد، وأبلوا البلاء الحسن منذ البداية، فعمها البطل مصطفى بوستة، يعد من المقربين للشهيد مصطفى بن بولعيد، فيما سقط جميع إخوتها في ميدان الشرف، ويتعلق الأمر بـ: علي وأحمد والصالح وأختها جمعة، كما تعرضت هي الأخرى للذبح من قبل عساكر المستعمر رفقة زوجها في منطقة “الهارة”، ففي الوقت الذي استشهد زوجها متأثرا بالجريمة التي تعرض لها، إلا أن خالتي أم هاني نجت مم الموت بأعجوبة، بعد ما أشعلت قطعة قماش، ولجأت إلى عملية الكي، وواصلت علاج نفسها بنفسها إلى غاية العثور عليها من قبل بعض المجاهدين، الذين نقلوها وحولوها إلى منطقة كيمل، حيث حظيت بالعلاج والراعية لمدة 40 يوما من قبل الطبيبين عثامنة وسي محفوظ التابعين لقيادة الثورة التي كانت متواجدة في أعماق جبال شيليا وغابة بني ملول، ومنذ تلك الحادثة أصبح يلقبها البعض بـ “الشهيدة الحية”، فيما يسميها البعض بـ”أم هاني آرڤاز” نظير شجاعتها التي تضاهي شجاعة الرجل.

وتحكي المجاهدة أم هاني بوستة العديد من الأحداث والحوادث التي مرت بها السنوات التي سبقت مرحلة التحضير للثورة، مؤكدة في هذا الجانب أن مقر سكناها بمنطقة “الهارة” بتكوت كان مقصدا للعديد من الثوريين والمناضلين السياسيين الذين فضلوا اختيار هذا المكان الآمن، للابتعاد عن أنظار السلطات الاستعمارية، على غرار عمار بن عودة ولخضر بن طوبال اللذان مكثا هناك حسب قولها مدة طويلة قبل اندلاع الثورة، مشيرة أنها في إحدى المناسبات أنقذت بن طوبال من الغرق في وادي “الغرار”، لأنه لم يكن حسبها يعرف جيدا المنطقة، وهو ما تطلب تدخلها، حيث سايرته حتى تم إخراجه من الوادي الذي كان يصنف في خانة الوديان الغادرة، خصوصا وأنه قليل المياه في أغلب فصول السنة، لكنه كثيرا ما تتغير معطياته لما تسقط المطار بشكل كثيف، وأكدت في الوقت نفسه أنها كانت في خدمة أب الثورة التحريرية مصطفى بن بولعيد، حين حل بالمنطقة لعقد اجتماع سري، وقد خصص له مكان آمين، فيما كلفت بجلب الأكل والتحلي بالحيطة والحذر من مغبة مجيء غرباء أو جواسيس، وهذا بناء على أوامر من المجاهدين.

واكبت مسيرة الخارجين عن القانون واندمجت مع المحضرين للثورة

وأكدت المجاهدة أم هاني بوستة التي كانت تعرف فيما بعد بـ”أم هاني أرڤاز”، بأنها واكبت مسيرة المجاهدين الذين كانوا يلقبون بـ”الخارجين عن القانون” أو “متمردي الشرف”، وفي مقدمة ذلك صهرهم حسين برحايل، إضافة إلى الصادق شبشوب وڤرين بلقاسم وغيرهم من مجموعة مشكلة من 15 عنصرا، وبحكم إقامة عائلتها في مرتفعات الهارة، فقد كانت على دراية بالأجواء السائدة في الخفاء، تحضيرا للثورة التحريرية، وهو ما سمح لها بالوقوف على الإجراءات والأعمال الجارية في هذا الجانب، بما في ذلك قدوم العديد من المناضلين والسياسيين أنذاك الذين فضلوا الابتعاد عن أنظار السلطات الاستعمارية، ومكثوا مطولا في مرتفعات جبال الهارة، على غرار لخضر بن طوبال، عمار بن عودة، العربي بن مهيدي، وغيرهم، كما اندمجت حسب قولها بشكل مع متطلبات الثورة التحريرية، وهو ما جعلها تسخر جهودها لتطبيق أوامر القيادة على مستوى المنطقة، ومرافقة المجاهدين رفقة زوجها وإخوتها والكثير من أقاربها الذين لم يتخلفوا عن الركب.

ذبحت رفقة زوجها وأنقذت نفسها من الموت بأعجوبة

وكادت المجاهدة أم هاني بوستة أن تلقى حتفها بعد أن تم القبض عليها من طرف أفراد جيش الاستعمار الفرنسي، إلا أن الأجل لم يحن أنذاك، على خلاف زوجها الذي استشهد في الحين، وتحكي خالتي أم هاني عن الحادثة قائلة: “قررت أنا وزوجي الذهاب إلى الجيش لإمدادهم بالأكل (تمر وبيض وكسرة)، وفي منتصف الطريق لحق بنا أفراد من جيش الاستعمار الفرنسي، وقبضوا علينا قبل أن يهموا بذبحنا في مكانين مختلفين، ليغادروا بعد ذلك، وقد تعرضت لـ14 ضربة في مختلف أنحاء جسمي، وفي الوقت الذي استشهد زوجي متضررا من حدة الآلام وحجم النزيف، إلا أن الأجل لم يحن بالنسبة لي، حيث قمت بإشعال قطعة من قماش لباسي، ولجأت إلى عملية الكي لمداواة الجرح، خاصة بعد تعرضي لنزيف حاد، وخروج كمية كبيرة من الدم على مستوى الفم وموضع الذبح، وفي ظل المعاناة التي تعرضت لها، كانت الصدفة أن عثر علي مجاهدون مروا بالمكان، وهو ما جعلهم ينقلونني بصورة جماعية، وحولوني إلى غاية كيمل، حيث حظيت بالعلاج من قبل الطبيبين عثامنة وسي محفوظ المنحدر من العاصمة، وهما تابعين للناحية التاريخية الأولى”، وتواصل أم هاني سردها للحادثة قائلة “مكثت 40 يوما كاملا في كيمل وغابة بني ملول للعلاج، وسط حيرة المجاهدين من الطريقة التي أنقذت بها نفسي من الموت، وكنت أرد عليهم على أن الأجل لم يحن فقط، وبعد أن شفيت، واصلت مسيرتي مع الثورة رغم كل الصعوبات والمتاعب”.

إخوتي وزوجي استشهدوا جميعا ونساء الأوراس خدمن الثورة

وقالت المجاهدة أم هاني بوستة (من مواليد 1934) أنها ستظل فخورة بمحيطها الثوري الذي عبر عن كرهه للاستعمار الفرنسي منذ البداية، بدليل أن عمها مصطفى بوستة كان من الرعيل الأول للثورة، وكان من أقرب المقربين للشهيد مصطفى بن بولعيد، كما أعطى الشهيد حسين برحايل (صهرهم) مختلف دروس البطولة والتضحية، سواء حين كان ضمن مجموعة متمردي الشرف أو خلال تكليفه بقيادة الثورة في منطقة الصحراء، فيما استشهد حسب قولها جميع إخوتها (علي وأحمد والصالح وأختها جمعة)، دون نسيان حادثة تعرضها للذبح من الاستعمار الفرنسي رفقة زوجها الذي استشهد في حينه، في الوقت الذي يناديها الجميع في تكوت بـ”الشهيدة الحية”، لأنها كانت أقرب إلى الشهادة من الحياة، ونوهت المجاهدة أم هاني بوستة بجميع نساء الأوراس، لأنهن حسب قولها خدمن الثورة، وفق الظروف والإمكانات المتاحة، مؤكدة على ضرورة الاعتراف بجهودهن في مرحلة وصفتها بالقاسية، بالنظر إلى حملات التشريد والتعذيب والإذلال التي كانت تمارسها السلطات الاستعمارية.

وزارة المجاهدين أخطأت في وثائقي وحرمتني من حقوقي

وفي ختام حديثها معنا، عبرت الشهيدة الحية أم هاني بوستة عن تأسفها بسبب عدم تسوية ملفها الإداري من قبل وزارة المجاهدين التي أخطأت حسبها في وثائقها، حين صنفتها في مرتبة “مقاومة”، في الوقت الذي تؤكد على أنها كانت مجاهدة منذ انطلاق الثورة، ناهيك عن نشاطها الذي واكب المسيرة التي سبقت الفاتح نوفمبر، وأكدت أنها أودعت عدة طعون، إلا أن طلبها قوبل بالرفض بحجة عدم فتح فترة جديدة لتصحيح الملفات، وهو ما جعلها تعبر عن تذمرها من طريقة حرمانها من حقوقها، داعية الجهات المعنية إلى التحرك، خصوصا وأنها تعاني من متاعب صحية جعلتها تلازم فراش المرض منذ عدة سنوات، وتساءلت بالقول “إذا لم أحصل على حقوقي وأنا على قيد الحياة، فمتى تمنح لي”، مقتنعة في الوقت نفسه بأن كل التضحيات التي قدمتها خلال الثورة كانت في سبيل الله والوطن.

مقالات ذات صلة