الجزائر
"الشروق" ترصد الظاهرة في المحلات وتجار يكشفون المستور:

الشكولاطة والياغورت والمكسرات بـ “الكريدي”!

مريم زكري
  • 2166
  • 0

“لا تحرجني بالقرض حتى لا أحرجك بالرفض”…عبارة تعوّد أصحاب المحلات التجارية على استعمالها لتخفيف عبء ثقيل قد يقع على عاتقهم، بسبب ضغط الديون المتراكمة بدفاتر “الكريدي”، تتصدر قوائمها مواد وأغراض كمالية يمكن للمواطن الاستغناء عنها بسهولة والاكتفاء بمواد ضرورية تتماشى وقدرته الشرائية.

في ظل لهيب الأسعار وتدنّي القدرة الشرائية لدى المواطن، خاصة في الشهر الفضيل، لا يجد بعض الجزائريين خاصة أصحاب الدخل المحدود من مخرج سوى اللجوء إلى الاقتراض لدى التجار، أو ما يعرف بـ”الكريدي” من المحلات مقابل تعهّد بالدفع عند قبض الراتب، وقد يتأخر السداد في بعض الأحيان، الأمر الذي يتسبب في مشاحنات وخلافات بين البائع والزبون تصل إلى متابعات قضائية بالمحاكم لاسترجاع المستحقات المتراكمة.

زبائن اقتنوا 20 مليونا “كريدي” في محل صغير بالعاصمة

وفي جولة قادت “الشروق” إلى محلات بيع المواد الغذائية بالعاصمة، كانت بدايتها من متجر صغير وسط مدينة الحراش العتيقة، لاقتناء بعض الأغراض بحجة البحث عن فرصة لمعرفة ما تضمنه “دفتر الكريدي” والاستفسار عن المواد الاستهلاكية الأكثر طلبا، رد “عمي إبراهيم” بابتسامة لطيفة “مرحبا”، قائلا: الزبائن ببساطة يشترون كل شيء، القهوة والزيت والحليب وغيرها.. هناك من يدفع بعد يوم أو يومين، وهناك من يدفع بعد شهر، أو شهرين أو ثلاثة، وهناك من يتهرّب من الدفع ويتناساه متعمدا”.

وأضاف عمّي ابراهيم أنه يسمح لبعض الزبائن فقط ممن يثق فيهم بالدفع المؤجل، لأن “الكريدي” مسألة ثقة بحسب التاجر الخمسيني.

تصفّحنا بعد ذلك الدفتر، فوجدنا جدول لأسماء الزبائن مرفق بمبلغ الدين ونوع المقتنيات، ولم تكن المبالغ مرتفعة في البداية حيث تراوحت ما بين 1000 و4000 دينار، قبل أن يلفت انتباهنا اسم زبون يقابله مبلغ دين قارب 20 ألف دينار، يجيب محدّثنا حول استفسارنا بأن صاحبه اقتنى منذ بداية شهر رمضان ما يحتاجه من مواد استهلاكية، ولم يقبض راتبه لحد الساعة، في انتظار أن يحصّل ديونه مع اقتراب العيد لاقتناء سلع جديدة لمتجره المتواضع خاصة وأنها بلغت 20 مليون سنتيم في الأسبوع الثالث من رمضان.

حلويات العيد والشكولاطة والكيراتين بـ”الكريدي”

قصدنا محلا آخر طلبنا منه إن كان من الممكن إطلاعنا على بعض المعطيات حول “الكريدي”، ليرد الأخير أن أغلب من يقصدون محله يقتنون مواد غير ضرورية بالدفع المؤجل على غرار “الياغورت” والشكولاطة ومكونات صنع الحلويات من مكسرات ومواد التزيين والتغليف وغيرها، مضيفا أن أكثر الزبائن يفضلون شراء المواد الأساسية ودفع ثمنها في الحين، وتأجيل دفع قيمة المقتنيات الكمالية “التبناج”، حتى لا يتأثر جيبه بهذه الأعباء الإضافية، على حد قول البائع.

وقال المتحدّث إن معظم الزبائن ينفقون أكثر من إمكانياتهم المالية خاصة خلال شهر رمضان أين ترتفع فاتورة الاستهلاك ويضطر صاحب المحل إلى إعادة جدولة ديون الأسر والعائلات التي تجابه ظروفا اجتماعية صعبة.

وعلى غرار محلات البقالة و”السوبيرات” عدوى “الكريدي” انتقلت إلى محلات بيع الأجهزة الكهرومنزلية، وصالونات التجميل وحلاقة الرجال خاصة مع اقتراب عيد الفطر أين يتسابق الشباب من أجل تسريحة عصرية وصبغة الشعر والكراتين بـ” الكريدي”، وهو ما كشفه لنا الشاب “سليمان” صاحب محل حلاقة رجال بمنطقة سيدي موسى قائلا، إنه تعود على استقبال عشرات الزبائن خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، ويضطر إلى تدوين أسماء 30 بالمائة من المدينين بدفتر خاص على أن يتسلم منهم ثمن حلاقة عصرية أو الكيراتين وحتى جلسة تجميل باستعمال أقنعة و”ماسكات” خاصة بالرجال بعد شهور أو أزيد من ذلك، مضيفا أن الأمر يتسبب له في حرج كبير كون معظمهم من أقربائه وجيرانه ومعارفه.

بولنوار: الظاهرة سببها غياب ثقافة الاستهلاك والاقتصاد المنزلي

وفي السياق، كشف رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار، أن أغلب المحلات التجارية ممن تفسح المجال لزبائنها من أجل اقتناء أغراض ومواد استهلاكية بالدفع المؤجل، هي مجرد حيلة للاحتفاظ بالزبون، وكذا نوع من المساعدة في بعض الأحيان لأبناء الحي أو المقربين ومعارفهم ومن تجمعهم الثقة، مضيفا أن “الكريدي” يشمل في العادة المواد الضرورية والمواد ذات الاستهلاك الواسع، غير أن الأمر تطور مؤخرا وأضحى الموظفون وأصحاب الدخل المحدود والمتوسط يقتنون مشتريات تصنف في خانة الكماليات من خلال الكريدي.

ويضيف بولنوار أن الأجبان والشكولاطة والحلويات والموز على رأس قائمة الدين، خاصة مع ارتفاع أسعار الأخيرة، لتتوسع إلى أغراض أخرى منها مواد التزيين والديكور المنزلي ومكونات حلويات العيد ولعب الأطفال والألبسة الفاخرة وبعض الأجهزة الإلكترونية، وحتى تصل في بعض الأحيان إلى قضاء عطلة بفندق بـ”الكريدي” أو اقتناء هاتف ذكي غالي الثمن بحجة وجود تطبيقات حديثة به.

تجّار يشتكون من تجاوزات المستدينين

من جهة أخرى، صرح عضو بالمنظمة الوطنية للتجار والحرفيين محمد مشدان، أن البيع عن طريق القرض سبب معاناة كبيرة لأصحاب محلات بيع المواد الغذائية، أو ما يسمى بـ”الكريدي” للمواد الاستهلاكية غير الأساسية وخاصة الكماليات مثل الأجبان والحلويات وحتى بعض الفواكه، مشير إلى أن سعر هذه المواد مرتفع وهامش الربح ضئيل مما يسبب حرجا كبيرا بين البائع والمشتري، لأن دفع المستحقات في أغلب الأحيان يكون شهريا، وهذا يؤدي حسبه إلى ارتفاع فاتورة المشتريات والتي تكون نسبة الكماليات فيها ما بين 15 إلى 30 بالمائة من قيمة الفاتورة.

ونوه محمد مشدان إلى أن الظاهرة تبرز الجانب الإنساني والتضامني الذي يقوم به بعض التجار من مساعدة معنوية يقدمها لأصحاب الدخل الضعيف والمواطنين بصفة عامة.

مقالات ذات صلة