-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السهل غير الممتنع

السهل غير الممتنع

أرادت الحكوماتُ المتعاقبة في الجزائر، على مدار عقود، أن تُبقي العُملة الصعبة، صعبة، إلى أبد الدهر. وحتى في عز ثراء الجزائر، بقي الفارق بين مختلف العملات الأوروبية والأمريكية واليابانية وبين الدينار الجزائري يتسع، حتى اقتنعنا بأن الصعب صفة دائمة، لا يمكن تليينُها، فما بالك بتسهيلها، وجعلها قريبة من قيمة الدينار.

بوادر أمل لتسهيل الصعب، لاحت من خلال حديث وزير المالية السيد لعزيز فايد، الذي بشّر بمرسومين تنظيميين خاصين بالقانون النقدي والمصرفي الجديد، والتي ستشرح كيفية عمل مكاتب الصرف المحوِّلة للعملة الصعبة، وهي من دون شك أهم فتح مالي في الجزائر بعد سنوات الجفاف المالي، التي جعلتنا إلى غاية 2023 نعيش ظواهر بالية تضرب الاقتصاد الوطني في الصميم.

من غير المعقول أن تجني دولٌ عربية وإفريقية من تحويلات مواطنيها المهاجرين في الخارج، مليارات الدولارات في كلّ سنة، ولا تجني الجزائر من مهاجريها -وما أكثرهم- أكثر من مليار دولار، ومن غير المعقول أن تعيش أوروبا أزمات مالية خانقة تهددها بالضياع، وعملتها عندنا في الأسواق الموازية، ترتفع من يوم إلى آخر، بل من ساعة إلى أخرى، حتى أنها حطمت الرقم القياسي في سبتمبر الحالي إلى مستوى 23000 دينار لكل مائة أورو، ومن غير المعقول أن يعترف وزيرٌ جزائري سابق بوجود عشرين مليار دولار في سوق العملة الموازية، ولا تمتلك كل بنوك البلاد مجتمعة، واحدا بالمائة من هذا المبلغ المخفي في بيوت تجار العملة، في بلد باشر إقلاعا اقتصاديا مباركا، ولكنه لم يوفر الإصلاح المالي المطلوب.

هل تعلمون بأن فرق مولودية العاصمة وشباب قسنطينة وشبيبة الساورة المسيّرة من طرف شركة سوناطرك العملاقة، تضم لاعبين ومدرِّبين أجانب يتقاضون مرتباتهم بالعملة الصعبة؟ وهل تعلمون بأن غالبية لاعبي المنتخب الوطني يتقاضون مستحقاتهم وتحفيزاتهم بالعملة الصعبة؟ وهل تعلمون بأن العيادات الخاصة التي تنتدب بين الحين والآخر، دكاترة أجانب أو مهاجرين، تدفع لهم بالعملة الصعبة المقتناة من “السيكوار”؟ وهل تعلمون بأن عدد أبناء الجالية الذين دخلوا الجزائر منذ رمضان إلى غاية شهر أوت، قد ناهز المليوني جزائري، جاءوا من قارات العالم الخمس، ولكنهم جميعا حوّلوا ما استقدموه معهم من عملة صعبة في قارة “السيكوار”، حيث تغلى العملة وتصعب، ويتهاوى الدينار ويسهل.

هناك تناقضات، يمكن وصفها بالخطيرة، جرّت الدينار الجزائري إلى مكانة لا يستحقها، ورفعت قيمة بقية العملات إلى مكانة أيضا لا تستحقها، وقد يكون المرسومان التنظيميان الجديدان حلا جذريا لهذه العقدة التي تحوّلت إلى ما يشبه حبل المشنقة حول عنق الاقتصاد الجزائري، الذي كانت مشكلته دائما وأبدا هي المنظومة المالية المتعثرة، بل دعونا نقول اللامنظومة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Hakim

    مقال في القمة