-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
قانون استثمار .. خطوة نحو "بريكس" ثم حلم السيارة الجزائرية

“السنة الاقتصادية” للجزائر.. 7 إنجازات كبيرة وتحديات جديدة

إيمان كيموش
  • 6929
  • 0
“السنة الاقتصادية” للجزائر.. 7 إنجازات كبيرة وتحديات جديدة
أرشيف

على مدار 3 سنوات من حكم الرئيس عبد المجيد تبون، سجلت الجزائر قفزات عديدة في مؤشرات الأداء بالنسبة لسعر صرف الدينار وفائض الميزان التجاري وارتفاع المداخيل وتنامي الصادرات خارج المحروقات وغيرها من الأرقام الإيجابية، أهّلتها لتكون واحدة من الاقتصادات القوية في مواجهة أزمة كورونا التي انحنت أمامها أكبر الاقتصادات العالمية.
وأتاحت هذه المؤشرات للجزائر أن تترشح بدءا من سنة 2022 لولوج تجمع “البريكس”، وهو النادي الاقتصادي لـ”الكبار” الذي كان ولا يزال حكرا على الدول صاحبة أعلى معدلات النمو في العالم.
ورسمت السلطات العليا خطة دقيقة لتعديل قوانين الاستثمار والقرض والنقد والشراكة بين القطاعين العام والخاص والصفقات العمومية والتجارة والمقاولات من شأنها تحقيق طفرة تشريعية اقتصادية، جزء منها تجسد، والجزء الآخر ينتظر التنفيذ.
وبلغة الأرقام، حصدت الجزائر 7 إنجازات اقتصادية خلال سنة 2022، وهي تحسّن المؤشرات المالية وارتفاع الصادرات خارج المحروقات والإفراج عن قانون استثمار جديد، ورفع الأجور والمنح والمعاشات وتطويق المضاربة في المواد الأساسية وبداية انفراج أزمة السيّارات والإعلان عن رغبة قوية في الانضمام لمجموعة “بريكس”.

فوائض تجارية ومالية
وارتفعت الصادرات خارج المحروقات إلى 7 مليار دولار نهاية شهر ديسمبر الحالي مع فائض في الميزان التجاري يرتقب أن يلامس17 مليار دولار نهاية السنة، وفق تصريح الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، يضاف إلى انتعاش مداخيل المحروقات جراء ارتفاع أسعار النفط والغاز لتصل 50 مليار دولار وفق تقديرات مسؤولي مجمع سوناطراك.
وشهد الدينار الجزائري لأول مرة منذ سنوات من التآكل تعاف غير مسبوق، حيث أن قانون المالية لسنة 2022 حدد قيمة العملة الجزائرية أمام الدولار الأمريكي بـ149 دينار للدولار، وبلغ بدءا من شهر سبتمبر المنصرم 140 دينار، وعادل مطلع ديسمبر الجاري 138 دينار، في وقت ينتظر أن تختم الجزائر السنة المالية باحتياطي صرف من العملة الصعبة يعادل 54.6 مليار دولار، مع منحى تصاعدي خلال السنوات المقبلة، وعودة امتلاء صندوق ضبط الإيرادات بعد أن جُفّف نهاية العام 2017، وأرقام تكاد تكون غير ملحوظة بالنسبة للدين الخارجي، ومؤشرات أخرى تبعث على الراحة.

زيادات الأجور واستحداث منحة البطالة وقمع المضاربة
وساهمت هذه الأريحية المالية في سنّ زيادات جديدة وتدريجية في الأجور، أقرها قانون المالية لسنة 2022، من خلال تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي للأجور التي تزيد عن 30 ألف دينار، وأيضا رفع النقطة الاستدلالية لموظّفي الإدارة العمومية، ناهيك عن استحداث منحة البطالة وتحديدها بـ13 ألف دينار، ورفع معاشات التقاعد نسبيا، في وقت لم يكتف رئيس الجمهورية بذلك، بل أعلن عن زيادة أخرى للأجور وهذه المنح بدءا من سنة 2023.
وأشاد الخبراء والأخصائيون بهذه القرارات، وقالوا إنها ساهمت إلى حد بعيد في تحسين القدرة الشرائية للجزائريين، في ظل زيادات الأسعار غير المسبوقة، وامتصاص صدمة ارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق الدولية، التي انعكست بشكل جلي على السوق الوطنية.
كما ثمّنوا خطوات الحكومة الأخيرة لقمع المضاربة عبر فرض قانون أكثر صرامة والجدية في تطبيقه، من خلال تشديد العقوبات على كل من تسوّل له نفسه التلاعب بقوت الجزائريين، وهو ما أنهى سيناريوهات الندرة التي مسّت بعض المواد ودامت لسنوات على غرار الحليب والخبز والقمح والزيت والسّكر.

قانون الاستثمار يرى النور ورفع المكابح عن 900 مشروع
وشهدت الأشهر الأخيرة ميلاد قانون الاستثمار الجديد، حيث نُشر هذا النص التشريعي في الجريدة الرسمية شهر جويلية المنصرم، بعد 3 مراجعات على مستوى مجلس الوزراء، وإخضاعه للتصحيح والتحيين والتنقيح بأمر من رئيس الجمهورية شخصيا، فالنص الجديد الذي استغرق إعداده 3 سنوات، وتداول على تدوين مواده 3 وزراء للصناعة، بات جاهزا اليوم ومحلّ إشادة للمتعاملين الاقتصاديين الوطنيين والأجانب على حدّ سواء.
كما صدرت النصوص التطبيقية للنص التشريعي بشكل استعجالي، شهر سبتمبر المنصرم، بُغية مواصلة رفع “الفرامل” عن المشاريع المجمّدة، وتأسست فور ذلك الهيئات المؤطّرة لنشاط الاستثمار، على رأسها الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، الكائن مقرّها بالدار البيضاء بالعاصمة، معلنة بداية عصر جديد يٌنهي بيروقراطية الإدارة، ويضع قطيعة مع ممارسات الماضي، حيث يحصي المجلس الوطني الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسّطة اليوم وجود أزيد من 1700 مشروع استثماري أجنبي في طابور الانتظار، عبّروا عن رغبتهم في الاستثمار بالسوق الجزائرية منذ سنوات.
واستبشر رجال الأعمال ومنظّمات “الباترونا” خيرا بالقانون الجديد، وقالوا إنه يتضمن حصانة قانونية تجعله غير قابل للتعديل أو المراجعة لمدة 10 سنوات على الأقل، يستجيب لكافة التطلعات ويمنح كل التسهيلات لمرافقة أصحاب المشاريع، عبر امتيازات وإعفاءات على كافة الأصعدة، تواكب المشروع منذ أن يكون مجرّد فكرة وإلى غاية التجسيد، وحتى بعد بداية الاستغلال.
وتضمن مشروع القانون الجديد للاستثمار في نسخته الثالثة ثلاثة أنظمة تحفيزية للمستثمرين وهي تحفيز حسب القطاعات ذات الأولوية وتحفيز حسب الاستثمارات المهيكلة وتحفيز حسب المناطق التي توليها الدولة اهتماما خاصا، وتمنح المزايا عن طريق شبكة تقييمية تحدد عن طريق النصوص التنظيمية بغرض تقليص السلطة التقديرية للإدارة في منح الامتيازات.
وتبشّر كافة هذه الإصلاحات بتحسّن تصنيف الجزائر في التقارير الدولية، المتحدثة عن مناخ الأعمال، حيث سبق وأن أكد الوزير الأوّل أيمن بن عبد الرحمن أن معدّي التقارير في العالم مطالبون اليوم بإعادة النظر بخصوص تصنيف الجزائر، والأخذ بعين الاعتبار الإصلاحات الأخيرة والجهود المبذولة من طرف السلطات لتحسين جو الأعمال.
وعرفت سنة 2022 رفع المكابح عن 900 مشروع مجمّد، من خلال تفعيل وساطة الجمهورية للتدخل أمام مسؤولي الإدارة المعرقلين للاستثمارات، حيث اهتم الرئيس عبد المجيد تبون بمعالجة هذا الملف وتدخّل عبر إلزام وسيط الجمهورية بحضور اجتماعات مجلس الوزراء وتقديم عروض تفصيلية عن تقدّم الإجراءات لرفع التجميد عن هذه المشاريع، حيث تم في وقت قياسي إنهاء معاناة أصحاب 900 مشروع منها من تحصل على رخصة النشاط وأخرون قرار الاستغلال في حين استأنفت مشاريع أخرى التجسيد.

أزيد من 5 آلاف مليار صيرفة إسلامية
وبنهاية السنة الجارية، تكون قد مرت سنتين و6 أشهر عن الإطلاق الرسمي للصيرفة الإسلامية في الجزائر، حيث تؤكد الحصيلة الأخيرة التي أعلن عنها مسؤولو القطاع عن تكديس مدّخرات تزيد عن 5000 مليار سنتيم، وتكشف النجاح الهام الذي أحرزته هذه الصيغة التمويلية الجديدة في ظرف قياسي والتي تختلف عن المالية الكلاسيكية من حيث اعتماد هامش ربح، وآليات كسب “حلال” بدل الفوائد الربوية التي ينفر منها الجزائريّون.
وتمكن مسؤولو قطاع البنوك خلال سنة 2022 من تعميم الصيرفة الإسلامية عبر 6 بنوك عمومية، وإطلاق عروض خاصة بالمهنيين، بدل مجرّد الاكتفاء بالتمويلات الاستهلاكية التي تشمل المنتجات الكهرومنزلية والتمويلات العقارية، ناهيك عن تخفيض تكلفة الخدمات الإسلامية نسبيا عبر امتيازات ممنوحة من خلال قوانين المالية التكميلي لسنة 2020 و2021 والسنوي لسنة 2021 و2022، وهو ما يلعب دورا هاما في زيادة إقبال المواطنين على هذا النوع من العروض والخدمات، وتخفيض آجال الحصول على التمويل والرد على الملفات إلى أقل من شهر.

عين الجزائر على “بريكس”
وكان ضمن أهم ما ميّز سنة 2022 اقتصاديا، إعلان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن رغبة الجزائر في الانضمام إلى تكتّل “بريكس” الذي يضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهي الدول صاحبة أكبر نسب ومعدّلات نموّ اقتصادي، حيث ستسمح هذه الخطوة للجزائر بالتواجد في خانة “الكبار اقتصاديا”، وتمنحها العديد من المزايا.
وتلقت الجزائر ردّا إيجابيا من روسيا والصين فور إعلانها عن الرغبة للانضمام إلى “بريكس”، في حين يُرتقب أن يساهم هذا الانضمام في حال تجسّده في تحقيق العديد من المزايا للاقتصاد الجزائري منها نقل الخبرة والتكنولوجيا وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع هذه الدول وتدفّق الاستثمارات والاستفادة من فرص تمويل خارجية لمشاريع عملاقة واقتباس النموذج الاقتصادي سريع النموّ لهذه الدول.

حلم السيارة الجزائرية.. الخطوة الأولى
وشهدت سنة 2022 أول خطوة في طريق حل أزمة السيارات التي بقيت حبيسة تعديلات دفاتر الشروط التي أجراها الوزراء المتعاقبين على قطاع الصناعة منذ سنة 2019.
وأمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مطلع شهر ديسمبر 2021 بمراجعة دفتر شروط الاستيراد والإفراج السريع عن الرخص للمتعاملين.
وأعلنت وزارة الصناعة بداية نوفمبر المنصرم عن جاهزية دفتري شروط الاستيراد وحتى التصنيع، وتم نشرهما في الجريدة الرسمية، وإطلاق الأرضية الرقمية لإيداع الملفات، وهي الخطوة الأولى في طريق حلحلة الملف الذي بقي مجمدا لأربع سنوات، وأحدث أزمة مركبات حادة في السوق وعجزا غير مسبوق في الحظيرة الوطنية للسيارات وارتفاع خيالي في الأسعار.
أما بخصوص التصنيع، والذي توليه الحكومة أهمية كبرى، فقد كشفت وزارة الصناعة بتاريخ 13 أكتوبر المنصرم عن عقد مع الشركة الإيطالية “فيات” لصناعة السيارات فرع مجمع “ستيلونتيس”، رابع أكبر مجموعة في العالم، بهدف إقامة مشروع لتصنيع السيارات بالمنطقة الصناعية “طفراوي” بولاية وهران، وبموجب هذه الاتفاقية ستقوم الشركة الإيطالية بتطوير الأنشطة الصناعية وخدمات ما بعد البيع وقطع الغيار لهذه العلامة، حيث أكد وزير الصناعة أحمد زغدار، إن أولى سيارات “فيات” المصنعة في الجزائر، ستكون متوفرة ابتداء من نهاية سنة 2023، مع برنامج لإنتاج 60 ألف مركبة في السنة الأولى، وسيصل عدد المركبات تلقائيا 90 ألفا سنويا.
وإلى جانب “فيات”، باشرت السلطات الجزائرية، عبر وزارة الصناعة مفاوضات مع مجمعات عالمية لإبرام عقود لاحقة في المرحلة المقبلة، كما تعتزم الحكومة تأسيس مجمع صناعي للسيارات يضم مصانع الميكانيك المسترجعة إثر عملية التأميم التي مست ممتلكات رجال الأعمال المتورطين في قضايا الفساد سابقا والمتواجدين اليوم في السجن، في حين يستعد مصنع “رونو” بوهران لاستئناف الإنتاج في أعقاب الإتفاقية التي تم من خلالها تحويل حصة شركة السيارات الصناعية “أس أن ڤي إي” التي تعادل 34 بالمائة إلى مجمع “مدار”.

كواشي: المزيد من التحديات الاقتصادية تنتظر التجسيد خلال 2023
إضافة إلى كل ما تحقق خلال سنة 2022، ينتظر الحكومة الكثير لتجسيده العام المقبل، يقول الخبير الاقتصادي مراد كواشي، فالوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن أكد أن السنة المقبلة ستكون أيضا عام الانطلاقة الاقتصادية الحقيقية.
ويحصي كواشي في تصريح لـ”الشروق” 6 تحديات تنتظر الجهاز التنفيذي قريبا، منها مواصلة تحقيق الأمن الغذائي بعد إنشاء بنك البذور خلال السنة الجارية، وهي خطوة مهمة حسبه تستحق الوقوف عندها لمواصلة الإنجاز وتأمين غذاء الجزائريين، تليها تطوير القطاع البنكي الذي لا يزال يشهد الكثير من النمطية رغم القفزات المحققة خلال سنة 2022، عبر استكمال مشروع فتح الفروع بالخارج، ورقمنة الخدمات وتسهيل القروض وتعميم الصيرفة الإسلامية، التي قطعت أشواطا هامة في السنتين الماضيتين.
ومن بين التحديات المنتظرة، يتحدث كواشي عن تسجيل استثمارات وطنية وأجنبية جديدة، حيث ستكون هذه المشاريع أول تقييم للقانون الجديد، الذي يحمل الكثير من المزايا والحوافز لأصحاب الملفات الاستثمارية، إضافة إلى استئناف مفاوضات الانضمام إلى تكتل “بريكس”، فالدولة الجزائرية أعربت عن رغبتها خلال السنة الجارية في ولوج هذه المجموعة العملاقة ولقيت ترحاب روسيا والصين، لكنها مطالبة السنة المقبلة بجلب خطوات جديدة في مسار هذا الانضمام.
ويعد الشروع رسميا في تسويق السيارات أبرز التحديات المرتقبة بعد توقيع دفاتر شروط جديدة وعقود تصنيعية للمركبات رفيعة المستوى، ناهيك عن إحراز صادرات خارج المحروقات تلامس 10 مليار دولار العام المقبل، مقارنة مع 7 مليار دولار السنة الجارية، ليكون رقما قياسيا جديدا يسجل لأول مرة منذ الاستقلال.
ولبلوغ كل ذلك، يؤكد الخبير ضرورة العمل بجد، والتطبيق الصارم لأوامر رئيس الجمهورية، وتنفيذ المخططات المسطرة في مجالس الوزراء، وعدم الاكتفاء بإصدار القوانين، وإنما السعي إلى تطبيقها ميدانيا لتحقيق إنجازات أكبر وتدوين مؤشرات اقتصادية إيجابية من شأنها تحسين القدرة الشرائية للمواطن الجزائري.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!