الرأي

السلم الذي يخيف

عمار يزلي
  • 1085
  • 0

العمل الذي تقوم به الدبلوماسية الجزائرية بشأن الوضع في النيجر، ليس بالهين ولا بالعادي، فهو تحرك بأقصى السرعات وفي كل الاتجاهات، لعلمها أن أي تدخل عسكري أجنبي ولو بغطاء جزئي إفريقي، لن يكون إلا وبالا على كل إفريقيا، بدءا بدول الجوار وامتدادا إلى دول الجنوب بأسرها، ما سيؤدي إلى نشوب حرب إقليمية لن تخمد نيرانها قبل عشرية أو أكثر.
الجزائر، الحريصة دوما على استقرار الدول والأنظمة عبر احترام الدساتير والشرعيات الدستورية، أكدت من البداية رفضها لأي تغيير غير دستوري لمؤسسات الحكم، هذا بغض النظر عن الخلافات الداخلية بين الفرقاء التي يجب أن تحل بالحوار السياسي الداخلي، لا بتغليب لغة السلاح على لغة الحوار. كان هذا دأب الجزائر دوما وفي كل الحالات الإفريقية السابقة، التي عرفت نفس الحركات والانقلابات، حيث عملت بشكل وثيق مع المؤسسات الدولية والإفريقية والإقليمية على رأب الصدع الإفريقي وتغليب لغة الحوار بين الأشقاء داخل الدول الواحدة لعلمها الأكيد أن الخلافات الداخلية تستغلها الأطراف الخارجية التي لها مصلحة دائمة في بقاء الخلافات متأججة من أجل بقاء أطول لتلك القوى، خاصة تلك الاستعمارية السابقة لهذه الدول، دركيا محليا وحاكما من خلف الكواليس.
بالتأكيد، فرنسا لها مصلحة قصوى في البقاء في النيجر، بعد أن منيت بهزيمة في كل من مالي وبوركينا فاسو وفي تشاد وباقي الدول السابقة، والمرشحة للتخلص هي الأخرى من تبعات الماضي الاستعماري العبودي، غير أن مصلحتها، كما يرى الأفارقة يجب ألا تكون على حساب شعب النيجر وشعوب إفريقيا، وإنما المصلحة يجب أن تكون مشتركة وتفاعلية على أساس القاعدة الجزائرية “رابح- رابح”.
فرنسا التي تؤجج نار الحرب في إفريقيا، بكل السبل كمبتغى أساسي في التعامل مع تغيير السلطة القائمة في النيجر، تعلم أن الانقلابات في إفريقيا كلها حلت عبر الحوار وتغليب لغة الدبلوماسية، فكيف تصر اليوم على الحل العسكري كحل مفضل، رغم ما أبدته السلطة العسكرية القائمة حاليا من رغبة في انتهاج نفس الطريق المالي والنهج الإفريقي، المعروف في مثل هذه الحالات، وهو العودة إلى الشرعية الدستورية عبر مرحلة انتقالية قصيرة تفضي إلى انتخابات شعبية برلمانية ورئاسية. هذا المنهج آتى ثماره في كثير من الدول التي عرفت نفس الحالة، فكيف يرفض ذلك في النيجر؟ هل هو دفاع عن أشخاص بعينهم؟ أم هو مبدأ عام؟ هذا هو السؤال الأكثر إلحاحا داخل أوساط الشعب النيجيري اليوم. نعم، الرئيس محمد بازوم هو رئيس شرعي منتخب، ويجب أن يطلق سراحه، لكن السلطة القائمة حاليا في يد الجيش، والجيش لا يريد أن يتخلى عن “إنجازه” كما يراه على نهج التحرر من التبعية لفرنسا، فهل سنذهب إلى عمل عسكري ضد العسكر المؤيد في ما يبدو شعبيا؟ هذا ما تراه فرنسا، وهذا ما ترفضه الجزائر، رغم حرصها الشديد على عودة الشرعية، كأداة استقرار سياسي وأمني. فإذا كانت الحرب هي السبيل لعودة الاستقرار، وهو غير مضمون على الإطلاق، وكل ما هو مضمون بالمطلق هو انهيار الأمن وعدم استقرار البلد والمنطقة والقارة ككل، فهل نجازف بمغامرة قد تحرق المنطقة وتعمر عقودا؟ ومن المستفيد في ذلك؟ بالتأكيد ليس النيجر ولا إفريقيا، بل فرنسا وحدها المستفيدة قطعا.
وصول الأمر الآن إلى المظاهرات الشعبية تأييدا لطرد السلطة القائمة في النيجر السفير الفرنسي، والآن عدة سفراء أجانب غير مرغوب فيهم، هي بوادر فرنسية بالأساس لإجهاض ووأد الحل التفاوضي السلمي.. الذي بات فعلا يزعج دعاة الحرب بالأمس واليوم.

مقالات ذات صلة