الجزائر
مع انطلاق أسواق الرحمة عشية رمضان

“الزوالية” يتاهفتون على الزيت والبطاطا والسّميد!

وهيبة سليماني
  • 3809
  • 0

يرزح الجزائريون المغلوبون على أمرهم، هذه الأيام، ومع اقتراب رمضان، تحت وطأة الأسعار الملتهبة، فالغلاء الذي طال جميع المواد الغذائية الاستهلاكية، من الخضر والفواكه، إلى اللحوم والأسماك، إلى الزيت والسكر والحليب ومشتقاته، وإلى المياه المعدنية، جعلهم يبحثون عن أي بصيص أمل لشراء الضروريات للشهر الكريم، بأسعار معقولة، تتناسب مع ما تحويه جيوبهم.. أسواق “الرحمة”، الملاذ الآمن لـ”الزوالية”، الذين يطمحون إلى أسعار منخفضة تبعث في أنفسهم الهدوء والسكينة، وتجعلهم يقضون شهر الصيام دون توتر.
ووجد الكثير من الجزائريين هذه الأيام، ومع فتح الكثير من أسواق “الرحمة”، عبر ولايات الوطن، متنفسا للهروب من أسعار باتت تصدمهم كل يوم، حيث سارع الذين يعانون انهيارا كبيرا في قدرتهم الشرائية، إلى هذه الأسواق، باحثين بتلهف عن أهم المواد الاستهلاكية الخاصة بتحضير مائدة الإفطار في رمضان.
والجديد في هذه السنة، أنّ الأواني المنزلية، والأجهزة الإلكترونية، تباع في أسواق الرحمة، إلى جانب اللحوم الحمراء والبيضاء وزيت المائدة، والسميد، والسكر، حيث أعرب الكثير من المواطنين الذين توافدوا أوّل أمس، على سوق الرحمة بالمحمدية بالحراش، عن ارتياحهم لتوفر بعض المستهلكات التي وجدوها تباع بأسعار معقولة، غير أنّ هذه الأخيرة لم ترض جميع روّادها، في ظل تدني قدرتهم الشرائية ما يتطلب مزيدا من الدعم والتخفيض في الأسعار خاصة هذه الأيام.

اختلاف طفيف في الأسعار.. ولا وجود للحم والسميد والبطاطا
وفي العاصمة، فتحت بعض أسواق الرحمة في كل من الحراش، وسعيد حمدين، ومنطقة الرويبة، حيث اختلفت، فيما بينها من حيث المساحة والإقبال، وتوفر الحاجيات من المواد الاستهلاكية، فرغم أنّ الزّيت والسّكر، والسّميد، مواد استهلاكية ضرورية تشهد ندرة في السوق، إلاّ أنّها غير موجودة في معظم أسواق الرحمة، وذلك حسب تأكيد الكثير من المواطنين الذين تردّدوا عليها بمجرد فتحها.
وأكّد بعض المواطنين، الذين تجوّلوا في سوق الرحمة بسعيد حمدين ببئر مراد رايس، أنّ اللّحوم غير متوفرة، وأنّ الكثير من الخيام لم تفتح أمام الزبائن، حيث يقتصر الأمر، حسبهم، على بعض الأجبان والعجائن والمنظفات والتوابل وبعض المعلّبات، بينما تغيب أهمّ الحاجيات الضرورية.
ورغم الإقبال الكبير على أسواق الرحمة التي فتحت هذه الأيام في العاصمة وفي بقية الولايات الأخرى، إلا أنّ المواطن لم يجد كل المنتجات الواسعة الاستهلاك، وإن وجدت أحيانا، فإن الأسعار لا تختلف كثيرا عن أسعار تلك التي الموجودة في الأسواق الجوارية الفوضوية أو ما يعرف بالسوق الموازية.
وفي بلدية روبية شرق العاصمة، عرف سوق الرحمة الواقع وسط الملعب القديم الذي لا يبعد كثيرا عن السوق المغطاة، توافد الكثير من المواطنين الذين يعانون موجة الغلاء، وتدني قدرتهم الشرائية، حيث توفر البيض والسكر والفواكه الجافة، واللحوم البيضاء، وقد ساعد فتح أبوابه منذ أيام، في كسر المضاربة في الأسواق الشعبية.
وانعدمت الكثير من أسواق الرحمة سواء المتواجدة في العاصمة، أم في ولايات أخرى، وحسب بعض المواطنين، لسلع عرفت ارتفاعا ملحوظا في الأسعار، مثل البطاطا، والموز، وبعض الخضر والفواكه، واللحوم، وبعض المستهلكات التي تشهد ندرة.
وفي هذا السياق، قال حسان منوار، رئيس جمعية أمان لحماية المستهلك، لـ”الشروق”، إن الأسعار المتداولة في أسواق الرحمة لا تختلف كثيرا عن أسعار الأسواق الأخرى، كما أنّ المبادرة، رغم أنها تهدف إلى توفر مختلف المواد الاستهلاكية من الخضر والفواكه، إلى الزيت والسكر والحليب واللحوم، وبأسعار تساعد” الزوالية”، إلا أنها لا تحمل حسبه، إلا اسم “الرحمة” في غياب مدلولاتها.
ويرى المتحدث أنّ هناك الكثير من المواد الاستهلاكية الأساسية التي يشتكي منها الجزائريون هذه الأيام، لا تتوفر في أغلب أسواق الرحمة، وإن توفرت، فإن هناك اختلافا طفيفا في السعر بتخفيض 10 دج أو 20دج.

المدّة المخصّصة لأسواق الرحمة لا تحل أزمة الفقراء
وفي نفس الموضوع، أوضح حسان منوار أنّ أسواق الرحمة، رغم أنها تفتح عادة أسبوعين قبل شهر رمضان، وتستمر خلاله لأسبوع آخر، إلاّ أنّ هذه المدة لا توفي الطلب، خاصة أنّ الحاجة لشراء بعض المواد الاستهلاكية تدوم إلى عيد الفطر.
وقال رئيس جمعية “أمان” إن التدني المستمر للقدرة الشرائية عند الجزائريين، والغلاء الفاحش في أهم المواد الغذائية الأساسية، يتطلب وجود أسواق رحمة على طول العام، داعيا إلى تشجيع مبادرة البيع من المنتج إلى المستهلك مباشرة، ورفع الضرائب على المتعاملين الاقتصاديين الذين يشاركون في مثل هذه الأسواق.
وأفاد منوار، بأنّ أسواق الرحمة يجب أن تكون مراقبة من طرف أجهزة وزارة التجارة، حيث تفرض الضوابط من خلال المراقبة المستمرة، خاصة أن هذه الأسواق، أصبح يسيطر عليها بعض الباعة الفوضويين، مستغلين الإقبال الكبير لبيع سلعهم بطريقة غير قانونية على الأرصفة.

شعار “الرحمة” قد يشجّع على اللّهفة عشية رمضان!
ومن جهته، يرى الأمين العام للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، عصام برديسي، لـ”الشروق”، بأنّ أسواق الرحمة هي حلول “ترقيعية”، ويتم فيها البيع الترويجي، كما يرى بأنّها لا تفي بما تحتاجه شريحة واسعة من الجزائريين الذين يعانون ضعف في القدرة الشرائية، لاسيما من حيث التنوع في السلع والأسعار المناسبة التي تتماشى مع الوضع الاستثنائي والمتأزم للكثير من الأسر.
وأوضح برديسي أنّ هناك وظائف أخرى تفرضها أسواق الرحمة، كأعوان الأمن، إضافة إلى تكاليف مادّية تتعلق بالخيم، والعتاد، وفي الوقت الذي لا تحل المشكل جذريا، حيث أن اللّهفة أكثر السلوكيات التي تخلّفها هذه الأسواق، في الوقت الذي تسعى كل المنظمات والجمعيات لمحاربة هذه “اللّهفة” التي ارتبطت في السنوات الأخيرة بشهر رمضان الكريم، المخصص للعبادة والتراحم.
ودعا برديسي إلى إيجاد آليات أخرى أكثر نجاعة لمساعدة الفقراء والمواطنين غير القادرين على مواجهة المصاريف اليومية، كتسقيف هامش الربح، وتحديد الأسعار المرجعية، ومحاربة الباعة الفوضويين الذين يدخلون إلى أسواق الرحمة منتهزين فرصة انسحاب التجار الشرعيين.

المطلوب زيادة في التجار وتحيين أسواق جوارية مغلقة
ويرى الناطق باسم اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين، عصام برديسي بأنّه من الأفضل أن يبيع المنتج مباشرة إلى المستهلك عبر هذه الأسواق، وأن يتواصل الأمر طيلة السنة، مضيفا أنّ قطاع التجارة يجب أن يفتح مجاله للشباب حيث لا يمكن بناء اقتصاد، حسبه دون تجارة.
وأكّد برديسي أنّ عدد تجّار المواد الاستهلاكية لا يكفي في بعض المناطق التي تشهد كثافة سكانية، ما فتح مجالا للمضاربة، حيث أنّ هناك أقل من 2 مليون تاجر في الجزائر يملكون سجلا تجاريا، بعضهم تجار في نشاطات لا تتعلق ببيع المواد الاستهلاكية، أي إن 0.02 بالمائة تاجر لكل مواطن جزائري.
وقال برديسي: “لا بد من إقلاع اقتصادي حقيقي، وإرادة سياسية وتعاون بين قطاعات وزارية عديدة، وتعاون بين وزارتي الفلاحة والتجارة في تنظيم الأسواق”.
وأشار المتحدث إلى ضرورة تحيين أسواق جوارية مغلقة وتهيئتها من طرف لجنة وزارية مشتركة، تعمل بجدية لفتح أسواق في خدمة المستهلك الجزائري.
للإشارة فإن الاتحاد العام للتجار الجزائريين، حاضر عبر جميع أسواق الرحمة المتواجدة عبر بلديات الولايات الجزائرية من خلال مكاتبه الجهوية، علما أنّ وزير التجارة كان قد أعلن عن فتح 1000 سوق رحمة لرمضان هذا العام، عبر 1541 بلدية.

مقالات ذات صلة